back to top
11 مارس 2025

عقيد موريتاني يشرح أسباب التوتر الدائم على الحدود الموريتانية الشمالية و علاقة ذالك بالصحراء الغربية

تابع القراءة

✍️ العقيد أنه ولد الصوفي

نواكشوط (ECS).- التاريخ علمنا أن النزاعات و الحروب، غالبًا ما، تنشب بين الدول، بسبب الطموحات التوسعية، و رغبة بعضها الهيمنة على البعض الآخر ومحاولة ابتلاعه. و جدير بالذكر، أن هذا النوع من التصرف العدواني يعتبر مرضا سياسيًا يصيب بعض الأفراد تحت تأثير جنون  العظمة أو الرغبة في توسيع ساحة النفوذ أو الطمع في خيرات الآخر، أو التأثيرات الثلاثة معًا. وعبر تاريخها، لم تكن المنطقة المغاربية بمعزل عن إفرازات هذه الحالات المرضية وحتى اليوم. فبعد حرب الرمال بين الجزائر و المغرب، والمحاولات الفاشلة المغربية لضم موريتانيا إلى المملكة، جاء الدور على الصحراويين. وما أن تمت تصفية الاستعمار الإسباني من هذا الإقليم حتى بدأت مرحلة التحضير لغزوه؛ من خلال نسج قصص وروايات حول الانتماء التاريخي للصحراويين. ثم انتهت هذه المرحلة بإحتلال الإقليم، حيث إحتوى المغرب على نصيب الأسد من الشعب الصحراوي وأرضه، وعاد إلى موريتانيا الجزء اليسير من الاقليم.

و قد تمت هذه العملية على مرأى ومسمع من العالم ودون أي اكتراث بالمواثيق الدولية، وعلى وجه الخصوص القانون الدولي الذي ينص، و بدون لبس، على حق الشعوب في تقرير مصيرها. و ما لبث هذا التقسيم الجائر والمشين طويلا حتى فجر الصحراويون مقاومة شرسة ضد الدولتين. وبعد أكثر من سنتين من المعارك العنيفة، خلّفت، بالنسبة للأطراف كلها، للأسف الشديد، فاتورة باهظة الثمن، من حيث الخسائر في الأرواح و العتاد، بادرت نخبة من الضباط الموريتانيين برئاسة المرحوم المصطفى ولد السالك، بالاطاحة بنظام المرحوم الرئيس المختار ولد داداه، يوم ال10 يوليو 1978، وذلك على الرغم من أن هذا القائد حقق أشياء رائعة للبلد وأصاب في أمور كثيرة، لكنه أخطأ في حرب الصحراء الغربية بالذات. و بدون انتظار، وضع هؤلاء الانقلابيون حدًا لمشاركة موريتانيا في الحرب معلنين للجميع أن موريتانيا “لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء الغربية”.

وعلى ضوء ذلك، قررت موريتانيا سحب قواتها من جزئها على عجل، دون أن تضع الترتيبات اللازمة لانسحابها منه، و ذلك بسبب إكراهات أمنية داخلية وخارجية، ناجمة عن وضعيتها الجديدة. وفور إعلان موريتانيا لهذا الموقف، سارع المغرب بإحتلال الجزء الموريتاني. وبفضل مبادرة هؤلاء الضباط، تأسست مرحلة جديدة بين موريتانيا وجبهة بوليزاريو، مبنية على التعايش السلمي والاحترام المتبادل. و طويت، إلى غير رجعة، صفحة مؤلمة من تاريخ الشعبين الشقيقين.

و إتباعًا، تواصلت جهود ترميم العلاقات بين الطرفين حتى تكللت بإعتراف موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية سنة 1984. وتولدت عن هذه الأجواء الإيجابية تفاهمات تقضي بالسماح لكلا الطرفين بعبور أراضي الآخر. و إستمر الأمر على هذه الشاكلة حتى تأزمت الأمور مؤخراً بسبب التفاهمات الأخيرة حول الربط الكهربائي المزمع تشييده بين موريتانيا والمغرب، علما أن المغرب لا يتمتع أصلا بحدود مع موريتانيا. واعتبارا لذلك، فلا بد لهذا الربط أن يمر بالأراضي الصحراوية التي يسيطر عليها المغرب و يعتبرها جزءا من مملكته، على الرغم من أن الكثير من دول العالم يرفضون الإعتراف بهذا الأمر الواقع ويتحاشون أيضًا إبرام العقود والصفقات في هذه الأراضي المتنازع عليها.

صورة تعبيرية

و للتذكير، فإن المغرب أصر على إنشاء هذا الربط الكهربائي، لا للمنافع المتوخاة منه، وإنما من أجل صب الزيت على النار بين الموريتانيين و الصحراويين، و نسف مبدأ الحياد الايجابي الذي إنتهجته كل الحكومات الموريتانية المتعاقبة، منذ ما يربو على أربعين سنة، كسياسة ثابتة للدولة الموريتانية. و بهذه الإستراتيجية الماكرة، يكون المغرب عين على قطع العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا و كل من الجمهورية الجزائرية والجمهورية الصحراوية، و عين أخرى على جذب موريتاني  إلى الاصطفاف معه في محوره الإبراهيمي. هذا، وإن كان ولا بد من الاصطفاف، فإن الغالبية من الشعب الموريتاني تفضل محور الجزائر على محور المغرب الرسمي.

و في هذا السياق بالذات، يجب أن لا ننسى أن الجمهورية الجزائرية لم تبخل في أي وقت على موريتانيا، من حيث الدعم السياسي والإقتصادي. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، إبان توليها لرئاسة مجلس الجامعة العربية سنة 1973، دعمت الجزائر و بقوة المعركة الدبلوماسية التي كانت تخوضها موريتانيا، آنذك، للانضمام للجامعة العربية ودحض المزاعم المغربية حول انتمائها التاريخي للمغرب. هذا بالاضافة إلى دعمها للقرارات السيادية الموريتانية؛ كإستخراج العملة الوطنية و إنشاء ميناء انواكشوط وقرار تأميم شركة ميفرما المنجمية، الذي كان محفوفا بالمخاطر و كاد أن يؤدي إلى عمل عسكري فرنسي ضد موريتانيا. و مؤخرا، مشروع الطريق الجزائري- الموريتاني قيد التنفيذ الآن و الذي يمثل، وبحق، لؤلؤة الصحراء. ويبدو أن هذا المشروع الذي منافعه لا تعد ولا تحصى، بالنسبة لكل المنطقة، قد أغضب الحكومة المغربية مما جعلها تفكر في هذا الرد الكيدي. و على كل حال، فإني شخصيًا، أعتقد أن فخامة السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لن يحيد قيد أنملة عن الحياد الايجابي، مهما عظمت الضغوطات التي تمارس عليه من هنا و هناك. فهو يعي أين تكمن مصلحة شعبه، ويعي كذلك المخاطر التي قد تنجم عن التخلي عن سياسة الحياد الإيجابي.

و في النهاية، فليعلم قادة الدول في هذه الربوع من الوطن العربي أن شعوبهم لا تحتاج إلى مزيد من الصراعات و الحروب، وإنما تحتاج، بكل تأكيد، إلى الوحدة السياسية و التكامل الاقتصادي، في ظل جو من السلم الأهلي و العيش الكريم و دولة القانون ينعم كل مواطن فيها بكافة حقوقه، بدلا من ديمقراطية عرجاء لا تخدم إلا الحكام الذين يجعلون منها أداة في أيديهم و يستعملونها لقطع أعناق و أرزاق من يخالفهم في الرأي. والمدخل لهذه البوابة الحميدة، يمر حتما بتسوية الصراعات البينية و في مقدمتها مشكلة الصحراء الغربية التي تشكل ثنائية الخير و الشر في المنطقة، وذلك حسب ما يراد لها من حل. وعليه، فإنه على المغرب، النزول من أعلى الشجرة والرضوخ لإرادة الشعب الصحراوي وإرادة الأمم المتحدة؛ التي قد طالبته مرارا و تكرارا بإتاحة الفرصة لهذا الشعب المبتلى ليعبر عن إرادته الجماعية، عبر تنظيم استفتاء عادل ونزيه، لا يستثني أي مواطن صحراوي، أيًا كان وأين يكون، وعلى جميع الأطراف الالتزام التام بنتائجه.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار