back to top
12 نوفمبر 2024

قرار المحكمة الأوروبية: السيادة الدائمة للشعب الصحراوي على ثرواته و المسار و السيناريوهات، والعمل المستقبلي

تابع القراءة

 ✍️ خليهنة محمد المصطفى

مدريد (ECS).- يترقب المتابعون غداً صدور الحكم المنتظر من المحكمة الأوروبية بشأن الدعاوى المقدمة من جبهة البوليساريو و جمعية الفلاحين الفرنسيين ضد المفوضية الأوروبية. تتعلق هذه الدعاوى باتفاقيات التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والتي تشمل موارد طبيعية من الصحراء الغربية، إقليم ما يزال تحت تصنيف “الأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي” وفقاً للقانون الدولي. هذا الحكم سيكون له تأثير كبير على مستقبل الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب فيما يخص هذا الإقليم، مما يدعو إلى إلقاء الضوء على المسار القضائي لجبهة البوليساريو منذ 2012، و الاحتمالات المتوقعة لقرار المحكمة، مع التركيز على الرأي القانوني الصادر عن الأمم المتحدة عام 2002 بشأن استغلال موارد الصحراء الغربية. كما سنقدم مقترحات عملية لجبهة البوليساريو لتعزيز موقفها في الصراع القانوني والدبلوماسي المستمر.

 المسار القضائي لجبهة البوليساريو 

بدأت جبهة البوليساريو معركتها القضائية في 2012 عندما رفعت دعوى أمام المحكمة الأوروبية للطعن في شرعية إدراج موارد الصحراء الغربية في الاتفاقيات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي. واستندت هذه الدعوى إلى أن الصحراء الغربية، بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ليست جزءاً من السيادة المغربية، وبالتالي فإن أي اتفاقيات تشمل مواردها دون موافقة الشعب الصحراوي تعد غير قانونية.

في ديسمبر 2016، أصدرت المحكمة الأوروبية حكماً تاريخياً أكدت فيه أن الصحراء الغربية “إقليم منفصل ومتميز” عن المغرب، وأن أي اتفاقيات تجارية تشمل موارد الإقليم لا يمكن أن تكون شرعية إلا بموافقة الشعب الصحراوي. المحكمة اعتمدت في قرارها على مبدأ السيادة الدائمة للشعوب على مواردها الطبيعية، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي، وخاصة في سياق الأقاليم غير المستقلة.

 الرأي القانوني للأمم المتحدة (2002) 

في عام 2002، صدر رأي قانوني من المستشار القانوني للأمم المتحدة هانس كوريل، بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي، حول شرعية استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية. أكد كوريل في رأيه أن أي أنشطة استكشافية أو استغلالية للموارد الطبيعية في الإقليم يجب أن تكون مشروطة بموافقة الشعب الصحراوي، وإلا فإنها ستكون انتهاكاً للقانون الدولي.

هذا الرأي القانوني عزز موقف جبهة البوليساريو، حيث اعتبر أن أي اتفاقيات تُبرم بشأن استغلال موارد الإقليم دون استشارة أو موافقة الشعب الصحراوي لا يمكن أن تكون قانونية. وأشار كوريل بشكل صريح إلى أن استمرار أي استغلال للموارد دون موافقة واضحة من الصحراويين يشكل خرقاً لقرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.

 قضية جمعية المزارعين الفرنسيين

تتمحور قضية جمعية الفلاحين الفرنسيين حول المنافسة غير العادلة التي يواجهها الفلاحون الأوروبيون، نتيجة لإدراج المنتجات الزراعية القادمة من الصحراء الغربية ضمن الاتفاقيات التجارية مع المغرب. تستفيد هذه المنتجات من إعفاءات جمركية وتكاليف إنتاج منخفضة للغاية، مما يؤدي إلى إلحاق ضرر اقتصادي مباشر بالفلاحين في أوروبا، خاصة في جنوب فرنسا.

تستند الجمعية إلى نفس الحجج القانونية التي طرحتها جبهة البوليساريو، معتبرة أن إدراج المنتجات الصحراوية ضمن الاتفاقيات مع المغرب غير قانوني لأنه يتجاهل الوضع القانوني للإقليم وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والمحكمة الأوروبية.

 القرارات القضائية السابقة للمحكمة الأوروبية 

1. قرار ديسمبر 2016

في هذا القرار، قضت المحكمة الأوروبية بأن الصحراء الغربية ليست جزءاً من المغرب، وبالتالي فإن أي اتفاقيات تجارية تشمل الإقليم دون موافقة شعبه تُعتبر انتهاكاً للقانون الدولي. هذا القرار شكل نقطة تحول رئيسية في القضية الصحراوية وأكد على مبدأ السيادة الدائمة للشعوب على مواردها الطبيعية.

2. قرار فبراير 2018

أكدت المحكمة أن اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا يمكن أن تشمل المياه الإقليمية للصحراء الغربية دون موافقة الشعب الصحراوي، مما عزز موقف البوليساريو ووضع ضغوطاً أكبر على المفوضية الأوروبية لإعادة صياغة سياساتها تجاه الصحراء الغربية.

3. قرار سبتمبر 2021

في هذا القرار، ألغت المحكمة الأوروبية بعض الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مؤكدة على ضرورة احترام حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصير موارده الطبيعية. على الرغم من أن تنفيذ القرار تم تعليقه مؤقتًا بانتظار الطعون المقدمة من المفوضية الأوروبية، إلا أنه جاء ليعزز الموقف القانوني لجبهة البوليساريو بشكل كبير. المحكمة أكدت أن استغلال موارد الصحراء الغربية دون موافقة واضحة من الشعب الصحراوي يشكل انتهاكًا صريحًا لمبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية.

 طعن المفوضية الأوروبية ضد قرار المحكمة لعام 2021

بعد إصدار المحكمة الأوروبية لقرارها في سبتمبر 2021 الذي ألغى الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بسبب عدم احترام حقوق الشعب الصحراوي، قامت المفوضية الأوروبية بتقديم طعن على هذا القرار.

المفوضية حاولت من خلال طعنها الإبقاء على الاتفاقيات التجارية مع المغرب سارية المفعول، بحجة أن المصالح الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي في المنطقة تبرر استمرار تلك الاتفاقيات. ومع ذلك، يواجه هذا الطعن تحديات قانونية كبرى، حيث أن المحكمة الأوروبية أكدت مراراً على أن أي استغلال لموارد الصحراء الغربية يجب أن يكون مشروطاً بموافقة الشعب الصحراوي.

الطعن، بالرغم من تعليقه المؤقت لتنفيذ القرار، لا يغير من حقيقة أن المحكمة الأوروبية قد أرست قاعدة قانونية ثابتة حول حقوق الشعب الصحراوي في موارده، مما يضع ضغوطًا كبيرة على المفوضية لإعادة النظر في سياساتها تجاه المغرب والصحراء الغربية.

 

احتمالات القرار المنتظر 

على بعد ساعات قليلة من صدور الحكم المرتقب، يرى المتابعون والخبراء أن هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تتبناها المحكمة الأوروبية، وأهمها:

1. تأكيد عدم شرعية الاتفاقيات الحالية: من المحتمل أن تؤكد المحكمة أن إدراج موارد الصحراء الغربية في الاتفاقيات التجارية دون موافقة الشعب الصحراوي يتعارض مع القانون الدولي، ما سيضع ضغطاً كبيراً على الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في هذه الاتفاقيات.

2. إرشادات قانونية جديدة: قد تصدر المحكمة توجيهات جديدة تطالب الاتحاد الأوروبي بإنشاء آلية للتشاور مع الشعب الصحراوي قبل إبرام أي اتفاقيات جديدة تشمل موارد الإقليم، ما يعني ضرورة إعادة التفاوض بشأن جميع الاتفاقيات السابقة.

3. إقرار شرعية الاتفاقيات الحالية مؤقتاً: وهو السيناريو الاكثر استبعادا بالنظر للقاعدة القانونية التي أرستها الاحكام السابقة وفي ظل الطعن الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية، وخاصة بعد رأي المدعية العامة قد تنجر المحكمة الى حكم أكثر تسييساً وتماهياً مع الابتزاز المغربي لأوروبا، الى الحكم بشرعية الاتفاقيات الحالية بشكل مؤقت، مع فرض التزامات مستقبلية تتعلق بآليات الحصول على موافقة الشعب الصحراوي. على الرغم من أن هذا السيناريو يبدو أقل احتمالاً، إلا أنه قد يفتح الباب لمزيد من النزاعات القانونية والدبلوماسية في المستقبل.

و مهما كان السيناريو وبغض النظر عن نتيجة الحكم، يتعين على جبهة البوليساريو تبني خطوات عملية ومقاربة أكثر فعالية لتعزيز موقفها القانوني والسياسي وتسريع وتيرة الضغط على الاحتلال وشركائه لوقف النهب الممنهج لثروات الشعب الصحراوي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال:

1. التحرك دبلوماسياً أكثر في أوروبا: يجب على الجبهة استخدام القرارات القضائية لتعزيز الدعم السياسي والدبلوماسي في البرلمان الأوروبي وفي المحافل الدولية، والتواصل مع الفاعلين الأوروبيين الداعمين للقضية الصحراوية.

2. ملاحقة الشركات المتورطة: يمكن للجبهة الاستمرار في رفع دعاوى قضائية ضد الشركات الأوروبية والدولية التي تستغل موارد الصحراء الغربية بشكل غير قانوني، بناءً على الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية والرأي القانوني للأمم المتحدة.

3. تنظيم حملات شعبية وإعلامية: يجب على البوليساريو ومناضليها تنظيم حملات إعلامية على نطاق واسع لرفع الوعي حول حقوق الشعب الصحراوي في السيادة على موارده الطبيعية، والعمل على نشر المعلومات حول الانتهاكات الاقتصادية للقانون الدولي التي تتضمنها الممارسات غير القانونية للاحتلال المغربي مع أطراف أخرى.

4. التوجه إلى الأمم المتحدة: يتوجب على جبهة البوليساريو الضغط على الأمم المتحدة لتفعيل قراراتها المتعلقة بتقرير المصير في الصحراء الغربية، والمطالبة بفرض عقوبات على الدول والشركات التي تخرق القانون الدولي وتساهم في استغلال موارد الإقليم دون موافقة الشعب الصحراوي.

5. تعزيز التواصل مع المجتمع المدني الأوروبي: بناء شراكات مع المنظمات غير الحكومية والفلاحين والجمعيات البيئية لزيادة الضغط على الحكومات الأوروبية لوقف التعاملات غير القانونية.

مما لا شك فيه أن الحكم المنتظر من المحكمة الأوروبية سيؤثر بلا شك على مستقبل استغلال موارد الصحراء الغربية، ولكنه ليس نهاية المعركة القانونية. ويتوجب على جبهة البوليساريو الاستمرار في مسارها القانوني والدبلوماسي لضمان احترام سيادة الشعب الصحراوي على موارده الطبيعية، تماشياً مع قرارات الأمم المتحدة والمحكمة الأوروبية. القرارات السابقة، بما في ذلك الرأي القانوني للأمم المتحدة في 2002، تشكل أساساً قانونياً قوياً يعزز من حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستغلال موارده.

 المراجع

1. النصوص والأحكام القانونية

1. قرار المحكمة الأوروبية (ديسمبر 2016):

حكم المحكمة في القضية C-104/16 P بشأن الاتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار