back to top
03 نوفمبر 2025

الحنكة السياسية من غزة إلى «الرّابّوني»: المرونة الذكية كإستراتيجية لإدارة الصراع

تابع القراءة

بقلم د. سليمان الشيخ حمدي، خبير بشؤون الساحل، مدير مركز رؤية للدراسات | نواكشوط في 2 نفمبر 2025.


نواكشوط (ECS).— في عالم السياسة الدولية العكر، قوة الحق وحدها لا تكفي لنكسب، بل من يعرف كيف يتصرف بذكاء وسط العواصف والتحديات هو من يكسب، القرار الأخير لمجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية، الذي منح مزيدًا من الشرعية لمسار “الإدارة الذاتية تحت سيادة المغرب”، يمثل اختبارًا حقيقيًا للحنكة السياسية ويكشف التحديات الكبيرة أمام جبهة البوليساريو والجزائر في الدفاع عن الحقوق الأساسية للشعب الصحراوي.

ضربة دبلوماسية صامتة للمغرب في الأمم المتحدة: الجزائر تعزز موقفها بشأن الصحراء الغربية، و»البوليساريو» تستعيد جزءًا من حضورها الدولي

ما يميز موقف جبهة البوليساريو والجزائر هو اتباع استراتيجية تعتمد على الثبات في المبادئ مع المرونة في التعامل مع الضغوط الدولية. فقد حافظوا على الحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي، وفي الوقت نفسه ظلوا منفتحين على الحوار الدولي، مستخدمين وسائل الإعلام والدبلوماسية لإبراز موقفهم، دون أن يغلقوا أي أفق للتفاوض أو المناورة السياسية في المستقبل.

هذه الاستراتيجية هي انجع وسيلة للتصدي لشطحات السياسة الترامبية، والتي تقوم على استخدام المواقف الحادة والمبالغ فيها كأداة لتحريك الساحة، لا كوسيلة لإرغام الأطراف أو استبعادها. في غزة، واجهت حماس مبادرة ترامب للسلام بطريقة ذكية: لم تنجرف نحو المواجهة المباشرة، ولم ترضخ بالكامل، بل تبنت مرونة تكتيكية، تضمنت تأجيل الرد، إعادة تقييم الموقف، ورفع سقف المطالب بما يحافظ على الحقوق الأساسية ويفتح فرص التفاوض المستقبلية.

تطبيق هذا المبدأ، الذي نسميه “المرونة الذكية” ، على الصحراء الغربية يظهر بوضوح: الطرفان، جبهة البوليساريو والجزائر، يتجنبان الاصطدام المباشر مع ترامب، لكنهما يحافظان على المبادئ الأساسية، ويستخدمان المرونة الذكية لإبقاء الملفات الحقوقية مفتوحة، مع إدارة الضغوط الدولية بطريقة تكتيكية تضمن عدم فرض أي حل نهائي دون مشاركة حقيقية وضمانات واضحة.

مهزلة «مقترح الحكم الذاتي المعتمد»: ¿ما الذي قالته الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية في قرارها الأخير؟

إن اعتماد المرونة الذكية لا يعني التراجع عن الحقوق، بل هو استراتيجية للحفاظ على موقف قوي مع توفير مساحة للمناورة المستقبلية. وهذا يفتح آفاقًا واقعية لحلول مستقبلية للصراع: من الممكن أن تؤدي إدارة الضغط الدولي والوقت بعقلانية إلى تطوير إطار تفاوضي جديد يوازن بين مصالح الأطراف ويضمن حقوق الشعب الصحراوي، في مسعى لتقاسم فاتورة السلام، بدل الانجرار إلى صدام مباشر أو انتظار فرض حلول أحادية الجانب.

في غزة، كما في الصحراء الغربية، يظهر أن الحنكة السياسية ليست مجرد إعلان مواقف أو شعارات، بل فن إدارة القوة، والمبادئ، والفرص في الوقت ذاته. المرونة الذكية تحوّل الضغوط إلى أدوات، وتتيح للطرف الأضعف أو محدود الهامش الحفاظ على حقوقه واستثمار الفرص المستقبلية بشكل مستدام، مع إبقاء الحلول النهائية مفتوحة للطاولة الدولية.

من غزة إلى الربّوني، ومن فلسطين إلى الصحراء الغربية، يبقى الدرس واضحًا: الثبات في المبادئ، مع المرونة الذكية في التنفيذ، هو السبيل الأمثل لحماية الحقوق وتهيئة الساحة لحلول مستقبلية عادلة ومستقرة.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار