back to top
18 أكتوبر 2025

مداولات مجلس الأمن حول الصحراء الغربية; ذخيرة الحرب الإعلامية وآلة التضليل

تابع القراءة

إفتتاحية


نيويورك (ECS).— يعود مجلس الأمن من جديد، كما كان عليه الحال كل سنة، ليجتمع حول مسودة قرار تتعلق ببعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في لصحراء الغربية،.مينورسو، وهي البعثة الأممية التي تم تشكيلها من طرف المجلس بإجماع الأعضاء في 29 أبريل 1991، بهدف تنظيم الإستفتاء المتفق عليه بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية برعاية الأمم المتحدة و بضمانات من واشنطن. وفي كل مرة، مع تزايد المطالب الداعية إلى إنهاء النزاع وتحمل المجلس لمسؤولياته في هذا الصدد، يبدأ مسلسل الجدل الذي يرافق جوهر مشروع القرار الذي تُعده الولايات المتحدة الأمريكية (حاملة القلم بخصوص هذه القضية)، وهي الفرصة التي يحاول كلا الطرفين إستغلالها إعلامياً لخلق زخم إعلامي لتدعيم عمليات الضغط التي يقودها كل منهما على الآخر.

غوتيريش إلى مجلس الأمن : «الوضع الحالي في الصحراء الغربية يعيق أي تقدم نحو التوصل إلى حل سياسي للنزاع يضمن للصحراويين تقرير المصير»

و على الرغم من أن كل قرارات المجلس السابقة كانت بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي وما يجري على الارض في الصحراء الغربية، فكان لابد للطرفين وداعميهم خلق تأويل حول المسودة للأسباب التي سبق الإشارة إليها، كما هو الحال هذه السنة التي بدأ فيها المغرب، على غير العادة، مندفعاً نحو إثارة الجدل من خلال الترويج لفقرات من مقترحات فرنسا وبريطانيا على أنها مشروع القرار الذي سيعرض على التصويت ويضم إشارات مباشرة لـ”خطة الحكم الذاتي المغربية كقاعدة وحيدة للتفاوض” ولإبعاد الشكوك حوله إستغل أحد المنصات الإخبارية التابعة لجهاز الاستخبارات الخارجية لبلد أجنبي (جريدة أفريكا إنتليجونس، فرنسا) ما من شأنه كذلك أن يُسهم في تجاوب باقي وسائل الإعلام الدولية وخلق رأي عام موحد حول هذه النقطة كما معروف دائما.

المُتغير هذه المرة يأتي من المغرب، لأن الرأي الواحد الذي كان سائداً في السابق حول ما يُرَوّجُ حول الصحراء الغربية، بات يتقلص أمام وصول الجمهور المغربي بفعل الأصوات المعارضة إلى الحقائق الدامغة حول قضية الصحراء الغربية ونفس خطاب السيادة الوهمية التي تروج على منصات فاقدة للمصداقية مثل الإعلام الرسمي. إن مسلسل الحقائق المُؤسسة على قرارات الامم المتحدة والهيئات والمؤسسات القضائية الإقليمية، هو ما أصبح يشكل قلقا لدى النظام الملكي المغربي، الذي يسابق الزمن من أجل إيجاد مخرج لهذا التحول لعدم قدرته السيطرة عليه في الوقت الذي يتغذى الجمهور المغربي على المعلومات الواردة منه. ومن هنا يأتي دور التأثير الخارجي على الداخل عبر المنصات الإعلامية المعروفة بتأدية مثل هذه الخدمات بالمقابل.

بالعودة إلى توقيت تسريب ما قيل عنه مسودة القرار، يجب الإشارة إلى السياق الذي جاءت فيه، يوم بعد تبني لجنة تصفية الاستعمار لقرار يؤكد على الإطار القانوني للصحراء الغربية وحق تقرير مصير الشعب الصحراوي عملا بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة وبالتزامن مع قرارات حركة عدم الإنحياز المعروفة بمواقفها الصريحة والمتشددة في هذا الصدد، وهي البلدان التي تقود اليوم أوسع حملة دولية من أجل إعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي، مسألة أخرى تهدد مساعي المغرب الإستعمارية في الصحراء الغربية.

“إصرار جبهة البوليساريو وبصوت عاليٍ على موقف لا حل خارج إطار الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن”

لم يعتد العالم في السابق على سماع موقف جبهة البوليساريو خارج اللقاءات الثنائية مع الأمم المتحدة ومبعوثي الدول المؤثرة في السياسة الدولية، وذلك في إطار حسن النية وخيار الهدوء للمضي قُدما نحو الحل بدلا من الضجيج وخلق الجدل. ولكن هذه المرة بدى وأن القيادة الحالية لجبهة البوليساريو، دخلت في مرحلة حرب التصريحات في مواجهة خروج بعض الاطراف الدولية عن الحياد المطلوب منها تجاه هذا النزاع المتفاقم. مثل هذه الموقف المعلنة بخطاب صريح ومباشر غالبا ما يكون لها مساحة في المشاورات التي تقودها واشنطن على مستوى مجلس الأمن لحشد تأييد لمشروع القرار، وهي نفسها التي يحاجج بها حلفاء البوليساريو والجمهورية الصحراوية في الدفاع عن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية كأساس لأي حل للقضية، تأييدها منهم للشرعية الدولية ولموقف الطرف الآخر (جبهة البوليساريو).

بالعودة إلى موضوع الوثيقة (الفرنسية+البريطانية) التي تحمل فقرات مؤيدة للرؤية المغربية بخصوص قاعدة التفاوض (الحكم الذاتي) فالغاية منها واحدة، جس نبض جبهة البوليساريو ومعرفة ردة فعل هذه الأخيرة حُيال ذلك ثم بناءً على مدى الوقوع في الفخ، يتم دفعها إلى على عدم المطالبة بما هو اكثر، والدعوة فقط إلى أن يبقى الحال على ماهو عليه، خاصة وأن المغرب ومعه باريس، لندن وواشنطن، متأكدين جداً بأن أية تحديثات جديدة من هذا الشكل سوف تواجهها روسيا (الرئيس الدوري) بالرفض المباشر وفق ما قال وزير خارجيتها في ندوة صحفية قبل أيام بموسكو، “إن روسيا متمسكة بحق تقرير المصير في قضية الصحراء الغربية عملا بقرارات المجلس، وترى أن الحكم الذاتي يمكن أن يكون حلا إذا حظي بموافقة بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، في إطار الامم المتحدة وليس عبر الإجراءات الأحادية الجانب مثل موقف إدارة ترامب تجاه موضوع السيادة على الاقليم”

مشاورات مكثفة قبيل التصويت على مشروع قرار أمريكي لتجديد بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)

ربح الوقت سلاح للحفاظ على الأمر الواقع

إن موقف إدارة ترامب تجاه وقف الدعم المالي عن البعثات التي لا تؤدي المهام الموكلة لها، واحدة من المواقف الإيجابية بالنسبة للصحراويين من الإدارة الاميركية الحالية، لأن ضغط واشنطن لتمديد قصير لولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) إلى ستة أشهر عوض سنة المعتادة، لا يخدم مصالح الرباط ومن معها، وهو مؤشر سوف يجعل النزاع يطفو أكثر على سطح النقاشات الدائرة على المستوى الدولي ويزيد من الضغط على الذين يريدون من قضية الصحراء الغربية أن تكون نزاعاً ميتاً على نهج “الوضع المُتحكَّم فيه” وبالتالي التشجيع على مزيد من الإستعمار الإقتصادي الذي تقوده باريس ولندن ومدريد وراء مفوضية ومجلس الإتحاد الأوروبي، كرسالة منهم إلى جبهة البوليساريو ضريبة المواجهة القانونية التي قادتها ضدهم أمام محكمة العدل الأوروبية والتي تكللت بأحكام تاريخية أربكت حسابات أوروبا الإقتصادية في الإقليم.

في إنتظار النسخة الآخيرة من قرار مجلس الأمن، لا يجب أن نغفل بأن في قلب الدعاية قد تجد جزءاً من حقيقة المستقبل، وبأن أية ردة فعل لا يجب أن تُبنى على حجم الفعل نفسه، ولكن على الغاية والهدف اللذين نطمح إليهما، لأن المصير ليس لحظة نعيشها بل مستقبل أمة والبداية الموفقة تستدعي شرط حُسن الإختيار ومواجهة الحقيقة التي تعيشها القضية، وهي أن المعركة لم تعد تُدار على أرض الصحراء الغربية المحتلة فحسب، بل في عواصم الدول لتُنقل إلى المطبخ في نيويورك، لإعادة صياغة الجغرافيا و التموقع بلغة المصالح لا المبادئ ولا الحقوق.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار