بقلم أحمد عمر، كاتب و محلل ECSAHARAUI
المناورة الخفية للمغرب في واشنطن التي كادت أن تمر دون أن يلاحظها أحد
هل كان بيان الإدارة الأمريكية صفعة دبلوماسية للمغرب؟.. وماذا لو لم يكن الفضيحة في ما قيل، بل فيما حاول المغرب فرضه خلف الستار؟.. من الذي يكتب السيناريو الحقيقي لحملة التشويه ضد جبهة البوليساريو في الولايات المتحدة؟
خلال الأسبوع الأول من أبريل، نظّم المغرب خطوة كانت تهدف إلى أن تكون ضربة دبلوماسية قاضية “كش الملك”. فقد وصل وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إلى واشنطن بأجندة واضحة: انتزاع تأكيد علني على أعلى مستوى من البيت الأبيض بإعادة التذكير بإعلان ترامب الذي يعترف بـ”سيادة المغرب” على الصحراء الغربية.
النتيجة؟ بيان غامض، باهت، لا يرقى إلى مستوى إعلان 2020. بدون أسماء، بدون التزام، وبدون انتصار.
بالنسبة للرباط، لم يكن ذلك مجرد خيبة أمل، بل إشارة واضحة: الخطة (أ) قد فشلت. فإدارة ترامب، المنشغلة بحروب اقتصادية وملفات أعقد، لم ترغب في منح المغرب الهدية التي جاء بوريطة يلهث وراءها.
وعندما تفشل الخطة (أ)، يتم تفعيل الخطة (ب). وهنا تبدأ القصة الحقيقية.
“الصديق القديم” جو ويلسون… وإحياء مشروعٍ سام
بعد ثلاثة أيام من البيان الأمريكي غير المتوقع، عاد للظهور النائب الجمهوري جو ويلسون، المعروف بقربه من لوبي المغرب في واشنطن. عبر حسابه في منصة X (تويتر سابقاً)، أعلن عن نيته تقديم مشروع قانون يصنف جبهة البوليساريو كـ”منظمة إرهابية”.
ربما بدا الأمر وكأنه تحرك عادي… لكنه لم يكن كذلك.
فـ”ويلسون” ليس لاعباً منفرداً. إنه عضو فعّال في مجموعة المغرب في مجلس النواب الامريكي، الكتلة الجمهورية الموالية لإسرائيل، مجموعة اتفاقات أبراهام، مجموعة العلاقات السعودية–الأمريكية، ومجموعة الصداقة مع تركيا. بعبارة أخرى: هو رجل تقاطع المصالح الجيوسياسية التي دعمت بصمت الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. تطبيعه مع إسرائيل، مواجهته لإيران، ومصالحه الاقتصادية في الساحل، كلها متشابكة.
ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها البوليساريو. ففي عام 2018، قدّم مشروع قرار خلط فيه بين “الإرهاب”، إيران، والصحراء الغربية، دون أي دليل موثوق.
لكن لماذا يُعيد طرحه الآن؟
لأن الطاولة الدبلوماسية تتطلب حركة جديدة. لأن بوريطة عاد خالي الوفاض من واشنطن، وكان لا بدّ لأحد أن يُقدّم له “جائزة ترضية”.
تأتي هنا عملية “التعزيز الإعلامي”: صحفية وإيحاء خطير
بالتزامن مع تغريدة ويلسون، نُشر مقال في صحيفة “واشنطن بوست”، بقلم الصحفية سعاد مخنّت، وهي ألمانية من أصول مغربية، متخصصة في الجماعات المتطرفة وتتمتع بنفوذ قوي داخل دوائر الاستخبارات.
المقال ركز على تهريب الأسلحة ودور حزب الله في سوريا، لكن فجأة، وبدون سياق، ذُكرت جبهة البوليساريو… لا بأدلة، ولا بروابط، بل بإيحاء خبيث يكفي لزرع الشك.
لماذا تُذكر البوليساريو في مقال لا علاقة له بالصحراء الغربية؟ ولماذا بعد زيارة بوريطة مباشرة؟
الإجابة ليست صحفية، بل سياسية.
“مخنّت” ليست مجرد كاتبة. إنها جزء من شبكة نخبوية تشكل عقل الإعلام الاستخباراتي عبر الأطلسي. حصلت على جوائز من هيئات دولية و أمنية، أجرت مقابلات مع جهاديين، وحضرت مؤتمرات يتداخل فيها الإعلام بالاستخبارات.
ما تكتبه ليس بريئاً. وما تُلمح إليه أخطر مما يبدو.
حملة منسّقة ثلاثية الأبعاد: الكونغرس، الإعلام، والاستخبارات الناعمة
ما نراه ليس صدفة. إنها عملية مدروسة بعناية، تتقاطع فيها أدوات سياسية (مثل ويلسون)، إعلامية (مثل مخنّت)، ودبلوماسية (مثل بوريطة). الهدف واضح:
خلق صورة مصطنعة لجبهة البوليساريو كـ”تهديد إرهابي”، لنزع شرعيتها كممثل للشعب الصحراوي و شريك في عملية التفاوض، وتبرير سياسة فرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية.
تشابه هذا السيناريو مع حملات سابقة لتشويه دول وتبرير إجتياحات و تدخلات عسكرية لا يمكن تجاهله: تُطلق التهمة، تُدعّم بمصدر “غير مباشر”، تُضخّم في الإعلام ومواقع التواصل، ثم تُستخدم كأرضية لقرارات سياسية.
و ماذا بعد؟ القطعة المفقودة… والصمت المدوي
حتى الآن، لم يُقدّم مشروع القانون ضد البوليساريو بشكل رسمي. لا يزال مجرد تغريدة، كأنّه “بالون اختبار”. لكن الضرر وقع. السردية أُطلقت في الفضاء العام، والافتراء ينتشر في كواليس واشنطن، تغذّيه مراكز أبحاث وسفارات وإعلام متورط في منظومة النفوذ المغربي.
السؤال الأهم الآن: من أيضاً يشارك في هذه اللعبة؟ ما دور السفارات المتحالفة مع المغرب؟ لماذا يصمت البيت الأبيض؟ إلى متى يُسمح بتجريم قضية تصفية استعمار فقط لإرضاء قوة محتلة؟
لكن الحقيقة لا تحتاج إلى سفراء… إلاّ الكذب على عكسها يحتاج
المغرب أنفق الملايين على الدعاية، واللوبيات، وشراء الشرعية.
لكن كل كذبة تحتاج إلى ناطق باسمها: صحفي، نائب، مسؤول… وهذا ما يجعلها قابلة للكشف.
أما حقيقة الشعب الصحراوي، فهي لا تحتاج إلى زينة. قوتها تستمد من عدالة قضيته.
لقد تمّت تعرية “الخطة ب” المغربية.
والكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي: هل سيستمر في التواطؤ مع حملة قذرة؟ أم سيتحرك لإنهاء احتلال يدوس على القانون الدولي منذ خمسة عقود؟
لأن الحقيقة، كما قيل يوماً، وإن تأخرت… إلا أنها دائماً تجد طريقها للانتصار.
دعم الصحافة الحرة
إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.
تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.
إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.