الأستاذ، حدمين مولود سعيد
في كل لحظة أزف فيها الى مقر اقامتي بجنيف او اهم بمغادرته، يطالعني علم دول اريتريا خفاقا مشرقا في سماء جنيف. ومن على شرفتي، الحظ ذلك العلم يرفرف بكل حرية، مربوطا بساريته على بعد طوابق معدودة في واجهة المبنى. بالمقابل فأنا ليس لي بعد راية، ولا زلت محتجزا في الطابق الرابع، أعني اللجنة الرابعة.
عندما جاء الفقيد امحمد خداد لزيارتي بجنيف سنة 2019، وبينما انا أحدق في العلم الاريتري، بادرته بالسؤال: لما اريتريا وليست الصحراء الغربية؟ رد على برقة ولطف معهود، كل شيء يعتمد على الاجتهاد في العمل، الجهد الدؤوب وقليل من حسن الطالع مادام الامر متعلقا بموازين القوى.
في العام 1950، وقصد مباركة مزاعم الامبراطور الحبشي، صادقت الجمعية العامة للمم المتحدة على التوصية رقم 5/390 لتقديم ما كان حينها يعرف باقليم اريتريا الخاضع للاستعمار ليصبح أراض اثيوبية في صيغة فيديرالية تحت السيادة الاثيوبية. لكن الشعب الاريتري وبكل اصرار وتحدي عارض تلك التوصية المفروضة من اعلى هيئة للمجتمع الدولي المخالفة لارادته. ليمتشق البندقية ضد اثيوبيا هايلي سيلاسي. محدثا حمام دم على امتداد ثلاثون سنة. الا ان اريتريا أصبحت دولة ذات سيادة في العام 1993، رغم ان الخلافات بينها وجارتها الاثيوبية بقيت عالقة.
بعد زيارة الرفيق امحمد خداد لي بأشهر، أعلنت وكالات الانباء ان جائزة نوبل للسلام للعام 2019 ستكون من نصيب رئيس الوزراء الاثيوبي اًبي أحمد على. في ذلك اليوم أدركت انه لا زال هناك بريق للمل والتعقل في عالمنا1.
من الناحية التاريخية، فان اعتراف لجنة نوبل للسلام بفضائل صانع السلام ذاك بين اثيوبيا ومقاطعتها السابقة يعني نفض الغبار عن سوء تقدير للجمعية العامة للمم المتحدة وتصحيح خطأها الجس يم في تمرير القرار 390 الذي تم اعتماده قبل نحو س بعين عاما. لقد اظهر التاريخ ان قرارا الجمعية العاملة للمم المتحدة كان جرحا غائرا في تكبيل مصير شعب ليس لها الحق في قهره وظلمه. لقد كان توشيح أحمد علي بجائزة نوبل للسلام اعتراف مؤجل بقيمة مساهمته الجادة في صنع السلام وعلى النقيض تماما من تصرفات الجمعية العامة للام المتحدة.
واذا كانت هذه الاحداث قد ظهرت على الطرف الجنوبي الشرقي للصحراء الكبرى، فانها تشابه ما يحدث حاليا على الطرف الشمالي الغربي لتلك الصحراء.
على مدى ستين عاما، ظل الشعب الصحراوي يترقب التزام المجتمع الدولي بمسؤوليته إزاء الوضع الحالي بما يتماشى مع القانون الدولي ولجل ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير. الا ان المجموعة الدولية تنصلت من مسؤولياتها لعقود عدة. وواصلت الاذعان الطوعي لرغبات عاهل مستبد، ليست لطماعه الاقليمية ولا لشراهته أية حدود.
بفشلها في الاستفادة من دروس التاريخ، فان المجموعة الدولية مقبلة على تكرار اخطاءها في اقليم الصحراء الغربية الخاضع للاستعمار، وهي الأخطاء نفسها التي أدت بصورة جلية الى النزاع في اقليم إريتريا الخاضع للاستعمار سنة 1950.
من جانبها، وعلى مدى ثلاثين عاما بذلت جبهة البوليساريو جهودا مضنية في احتواء قطاعات واسعة ومتزايدة من الشعب الصحراوي، تطالب بممارسة حقها في العودة الى الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها. ومن الهمية بمكان هنا الاشارة الى تلك الجملة الاستفهامية التي وجهها زعيم جبهة البوليساريو في رسالته الى المين العام للمم المتحدة: “في ظل غياب أية مساعي جادة او رغبة من قبل المم المتحدة في الايفاء بالتزاماتها في تنظيم الاستفتاء، كيف لي ان أفسر للشعب الصحراوي أهمية الاستمرار في التزاماتنا بنية حسنة تجاه مسار التسوية السياسي الذي ترعاه المم المتحدة؟”2.
لقد فقدت جبهة البوليساريو حديثا أحد أبرز قياديها امحمد خداد، احد الابطال المخلصين للمسار الدبلوماسي السلمي، وسدا منيعا لفيضان الغضب العادل والمشروع للشعب الصحراوي. على الاكاديمية النرويجية ان تدون في سجلاتها ان أهمية السلام بقدر ما تكمن في انهاء نزاع مجمد، فانها تكمن أيضا في التحرك للحيلولة دون اشعال نزاع اخر محدق. وانه في افريقيا كما في العالم اجمع لم يقم أحد بجهود عميقة كما قامت بذلك جبهة البوليساريو من اجل تفادي دوي المدافع.