عليين حبيب الكنتاوي رفقة الشهيد أمحمد خداد
خلال العقود الخمسة الأخيرة، مر كفاح الشعب الصحراوي بمجموعة من الاحداث الدراماتيكية، مؤلمة في غالبيتها، لكنها ساهمت في رسم وتوطيد معالم الطريق. تلك الأحداث، وبالرغم من ايلامها وقساوتها الا أنها لم تؤثر، في أي يوم من الأيام، على معنويات الشعب ولا النيل من روحه المقاومة العصية على الترويض. بالعكس، فتلك الامتحانات، أغنت ثقافة المقاومة لدى الشعب وعززت تماسكه وأمدته بجرعات طويلة المفعول لمواجهة الاحتلال، وقد تكون هي السر الكامن وراء استمرار مقاومتنا الوطنية وتطورها وصمودنا الاسطوري في معركة الوجود التي نخوض من أجل الحرية.
استشهاد أمحمد خداد، هو آخر الأمثلة التي تؤكد أن الاحداث المؤلمة التي يمر بها الشعب الصحراوي في مسيرته، تؤدي دائما الى اشتداد جذوة النزوع الغريزي المتأصل لرفض الاستسلام أوالخضوع لمشاعر الأسى، انطلاقا من الوعي الثابت بأن الطريق الى الحرية لم ولن يكون سهلا أبدا. بكل بساطة، نمجد شهداء المسيرة وننحني بخشوع أمام أرواحهم الطاهرة، ونعاهدهم لمواصلة الطريق الذي عبدوا بدمائهم ومأثرهم بكل استماتة ووفاء.
ووعيا منا بقوة الأعداء الذين يتربصون بشعبنا، وبالمصاعب الجمة التي مازلت ماثلة في الطريق، فان اجراء تأمل عميق، يصبح مطلبا حيويا تفرضه اللحظة. تأمل مستلهم من استشهدا أمحمد خداد وأيضا من استشهاد العديد من القادة خلال السنوات الأخيرة: الرئيس محمد عبد العزيز، المحفوظ أعلي بيبا، الخليل سيد أمحمد، البخاري أحمد، البشير الصغير والعديد ممن ينتمون الى نفس الجيل الذي بات من البديهي أنه أصبح يختفي تدريجيا، بكل ما يحمل ذلك من تبعات. انها بالفعل، كارثة تخيف وتبعث على الحيرة بسبب السرعة والرتم الذي تحصل به.
ارتباطا بما سبق، وفي هذا الظرف، فان الحس العام يفرض علينا أن نتفق على أن الوقت قد حان لنحتضن ونستوعب الجيل الجديد من الاطارات المؤهلة في كل مؤسسات الحركة وأيضا في أعلى هرم القيادة والزج بها في أتون الكفاح وتأهيلها لمجابهة التحديات العديدة بما فيها التعيقدات والقيم المرتبطة بممارسة المسؤوليات ضمن سياق حرب التحرير الوطنية. الشهيد أمحمد خداد، خلال توجيهاته الأخيرة، كان واضحا في هذا الصدد.
ان الاستشهاد المتواصل للعديد من القادة ينبغي أن يشكل منبها حادا لجبهة البوليساريو من أجل اجراء التفكير العميق الذي بات يفرض نفسه لضمان استمرار تدفق الحيوية، العنفوان والطاقة في مختلف المؤسسات كضرورة لضمان استمرارية الكفاح الملحمي الذي يخوضه شعبنا. ههنا، ننحني اجلالا أمام المكاسب المحققة على مدار المسيرة وعلى الاستعداد للتضحية الذي تميز به شعبنا بكافة مناضليه ومقاتليه واطاراته. لكن العظمة، والحصافة وروح التضحية تقتضي أيضا، بلبالضرورة، فهم الظرفية الصعبة التي تتطلب عملية انتقال حيوية، على مستوى السياسات وعلى مستوى القيادة على حد سواء. التاريخ يعلمنا، أن نجاح أي عملية انتقالية يكمن في استيعابها كضرورة والتوفر على رحابة صدر كافية لقبول نتائجها، وأن فشلها يكمن في الفتور، الغموض والاخفاق في ترتيب السياسات والاهداف المراد تحقيقها. فالاختفاء المادي المفاجئ للقادة دون أن يكون قد تشكل احتياط آمن من البدائل المؤهلة، المدربة والمسلم لها والجاهزة لحمل مشعل الكفاح، يحمل مخاطر كبيرة على نجاح عملية الانتقال لانه يقود الى خلق حالة من الفوضى والانقسامات والصراعات الداخلية. هذا التحدي، يعتبر بمثابة سيف ديموقليس جاثم على رقبة قضيتنا الوطنية.
ولنا في تجارب شعوب وامم ومنظمات ضمن سياقات مشابهة أمثلة لمن اندثروا أو صمدوا تبعا لمدى قبولهم أو تجاهلهم لهذه الحقيقة الازلية. موغابي، القذافي وعرفات (منظمة التحرير الفلسطينية) فشلوا في هذا الامتحان، واختفوا دون أمجاد تذكر في هذا الصدد. بيد أن، نلسون مانديلا، سام انجوما وباقي أبطال الكفاح التحرري في جنوب افريقيا وناميبيا (حزب المؤتمر الوطني الافريقي وحركة سوابو)، فهموا جيدا الدرس وتصرفوا بناء على ذلك، وهو ما سيمكنهم من البقاء الى الأبد، وساعدهم ويساعدهم الآن لرفع التحديات والمصاعب الجمة التي تعترض مسيرتهم. وحتى القوى العظمى ذاتها، تتعرض لنفس اختبار التاريخ، ففي حين انتهى الاتحاد السوفياتي الى تمزق، انبعثت الصين كالقوة الامبراطورية الجديدة بسبب ادارة الأمور بناء على هذه الحقيقة الباقية.
من المهم التأكيد على اجماع الشعب الصحراوي ونخبه حول المنجزات التي حققها أمحمد خداد، رفقة الجيل الاستثنائي من رفاقه الشهداء، كقائد استثنائي ودبلوماسي متمرس، ساهم بشكل متميز في الدفع بمسيرة الشعب الصحراوي التحررية. كما لا يقل اهمية عن ذلك، الدعوة الى نقاش وطني عميق حول مناشداته الاخيرة والتساؤلات المترتبة عن فقدانه المبكر. تأمل هذه القضايا بعمق، في هذا الظرف الموسوم بالحزن المقلق، قد يكون النسغ الضروري كيما تنبعث شجرة سنط المقاومة الوطنية أكثر قوة، تجذرا وازهرارا ويعزز قوة حركة التحرير الوطنية ويمدها بأسباب النصر. المراجعة وتعميق الرؤية في القضايا المصيرية لم يعد اختيارا، انه ضرورة. لا بد من اعادة أخذ المبادرة في هذا الصدد؛ تقوية انسجام وتماسك الشعب، تنظيم واستغلال وتفجير الطاقات الحيوية الشبانية المشتتة الآن، احياء المناضلة والابداع لدى مثقفينا، كتبانا ونخبنا عموما. هذا نداء عاجل موجه الى المناضلين، الى القادة والى الشعب الصحراوي عموما.
المجد والخلود للشهداء
بقلم الدبلوماسي : علين حبيب الكنتاوي
ولاية آوسرد، مخيمات اللاجئين الصحراويين
12 أبريل، 2020