الأخوات والإخوة،
تنعقد الدورة الرابعة للأمانة الوطنية والشعب الصحراوي في أجواء تخليد يوم الشهداء. وبهذه المناسبة، نقف وقفة إجلال وتقدير وترحم على أرواح شهيدات وشهداء القضية الوطنية، وفي مقدمتهم مفجر الثورة، شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفي السيد، وكل رفاقه الذين ساروا على الدرب وما بدلوا تبديلاً، من أمثال الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز.
كما تنعقد الدورة في ظل تطورات مهمة ومتسارعة تشهدها حرب التحرير الوطني التي يخوضها الشعب الصحراوي، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وخاصة منذ استئناف العمل المسلح، عقب الانتهاك السافر لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل دولة الاحتلال المغربي في 13 نوفمبر 2020.
وأود هنا أن أشيد أيما إشادة بالهبة الوطنية الشاملة لجماهير شعبنا البطل، وما أظهرته من تجاوب منقطع النظير، بكل مكوناتها وفئاتها، وفي كل مواقع تواجدها، مع التطورات الميدانية، وخاصة ما أبداه شبابنا المقدام من استعداد لاستكمال مسيرة التحرير، بكل ما يقتضيه ذلك من تضحية وعطاء وانخراط في صفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
ومن هنا، أتوجه بتحية خاصة لهذا الجيش البطل، الذي سارع إلى الرد الحازم والعاجل على انتهاك دولة الاحتلال المغربي لاتفاق وقف إطلاق النار، وأكد بالملموس استعداده للتعاطي مع كل التطورات ومواجهة كل التحديات، وهو اليوم يواصل، بكل عزم وإصرار، معركة العزة والكرامة والشموخ في الجبهات الأمامية.
التحية إلى الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية، ومن خلالهم إلى جماهير شعبنا في الأرض المحتلة وجنوب المغرب التي سارعت، كما هي عادتها، إلى الرفع من وتيرة فعلها النضالي الميداني البطولي والشجاع، في مواجهة قوة الاحتلال المغربي وبطشها وحصارها الخانق.
وإننا لنشيد بدور المرأة الصحراوية، التي سجلت حضورها في الميدان في مخيمات العزة والكرامة والأراضي المحررة، في كافة الهيئات والمؤسسات الوطنية، بجدارة واستحقاق، ولكن أيضاً في ساحة المقاومة في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، على غرار سلطانة خيا وعائلتها ورفيقاتها في مختلف المواقع، مسجلين كامل الإدانة والاستنكار إزاء ما يتعرضن له من قمع وتنكيل وممارسات حاطة من الكرامة الإنسانية، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لحمل دولة الاحتلال المغربي على وضع حد لهذه الممارسات المقيتة.
الأخوات والإخوة،
شرعت دولة الاحتلال المغربي في تصعيد خطير في السنوات الأخيرة، ولم تتوقف عند التعنت وعرقلة مهمة المينورسو وتحجيم دورها في الصحراء الغربية إلى مجرد حماية الاحتلال العسكري اللاشرعي، بل مضت في ممارسات استفزازية خطيرة، على غرار الاستيطان وتنظيم أنشطة سياسية واقتصادية ورياضية وغيرها في الأرض المحتلة، مع تكثيف عمليات النهب الممنهج للثروات الطبيعية لبلادنا.
ونسجل أن المجتمع الدولي قد أظهر تمسكه بالشرعية الدولية فيما يتعلق بالصحراء الغربية، رغم إعلان ترامب الأحادي الجانب والخارج على القانون.
كما أننا نسجل قرار البرلمان الأوروبي المندد بالممارسات اللامسؤولة لدولة الاحتلال المغربي، التي كشفت عن وجهها الحقيقي كنظام استبدادي ظالم، بعيداً عن أن تكون شريكاً موثوقاً، إلى درجة استخدامها لمواطنيها، بمن فيهم الأطفال والرضع، والرمي بهم للتهلكة لأغراض الضغط والابتزاز.
غير أننا، في الوقت نفسه، نؤكد بأن ذلك لن يكون كافياً لإحقاق الحق واستتباب العدل والشرعية، ما لم يتم اتخاذ قرارات صارمة وخطوات ملموسة لدفع المملكة المغربية إلى الامتثال لميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، والالتزام بالحل الديمقراطي، العادل والنهائي، بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير والاستقلال.
نحيي بحرارة وتقدير مواقف التضامن والدعم والمساندة لكفاح شعبنا العادل من أجل الحرية والاستقلال من طرف كل الأشقاء والأصدقاء والحلفاء في كل قارات العالم. ولا بد، في هذا الخصوص، أن نتوجه بتحية خاصة، ملؤها الشكر والعرفان والامتنان والفخر والاعتزاز، إلى الجزائر الشقيقة، مكة الثوار وقبلة الأحرار، مهد ثورة الأول من نوفمبر المجيدة ومبادئها الخالدة، قلعة الصمود في وجه الاستعمار والظلم والعدوان، التي تتبنى بكل ثبات مواقفها المشرفة الراسخة إلى جانب الشعب الصحراوي، بشعبها الجبار وجيشها المغوار، بقيادة أخينا الرئيس، السيد عبد المجيد تبون.
كما نشيد بمواقف الاتحاد الإفريقي، المنسجمة مع مبادئه وأهدافه في استكمال تحرير القارة من نير الاستعمار وتحقيق التنمية والرخاء لجميع بلدان القارة وشعوبها، في كنف الاحترام المتبادل وحسن الجوار. وإن الجمهورية الصحراوية لتجدد الاستعداد لتنفيذ قرارات الاتحاد الداعية لحل الخلاف مع جارتها المملكة المغربية، كبلدين عضوين في المنظمة القارية، بالاحترام الكامل للقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي.
ونتوجه بالتحية إلى الحركة التضامنية العالمية مع الشعب الصحراوي في العالم، وخاصة في أوروبا. ونحن نذكر هنا بأن تعاطي الجمهورية الصحراوية مع القضاء الإسباني إنما ينبع من ثقة مطلقة في عدالة وشرعية قضيتنا وانسجامها الكامل مع القانون الدولي، أود أن أحيي بحرراة مسيرات الحرية للشعب الصحراوي التي تجوب هذه الأيام الديار الإسبانية، من تنظيم الحركة التضامنية، وبمشاركة متميزة للجالية الصحراوية. إنها ليست تجسيداً فقط للعلاقات الوثيقة بين الشعب الصحراوي والشعوب الإسبانية، ولكنها انسجام مع المسؤولية القانونية والتاريخية والأخلاقية للدولة الإسبانية تجاه الشعب الصحراوي.
الأخوات والإخوة،
يتحدد الإطار العام للدورة بمقررات المؤتمر الخامس عشر للجبهة، ثم بقررارات الأمانة الوطنية، وتشمل بالتقييم والدراسة بشكل خاص الترة بين الدورتين الثالثة والرابعة، وراهن القضية وتطوراتها وجملة التحديات والآفاق والبرامج والاستحقاقات في الفترة القادمة من هذه المرحلة المتميزة.
إنها مرحلة برهن فيها الشعب الصحراوي بما لا يدع مجالاً للتشكيك على وحدته وإجماعه والتفافه حول طليعة كفاحه وممثله الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وتمسكه الراسخ بأهدافه في الحرية واستكمال سيادة دولته المستقلة، الجمهورية الصحراوية، على كامل ترابها الوطني.
إنها مرحلة تشهد زخماً غير مسبوق من الفعل النضالي الوطني على كافة الصعد والواجهات، وفي مقدمتها العمل القتالي المتواصل، بلا انقطاع، والمقاومة البطولية في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، والفعل النضالي اليومي لجماهير شعبنا في مخيمات العزة والكرامة والجاليات.
إنها مرحلة تشهد حضوراً غير مسبوق كذلك على الساحة الدولية، سواء على مستوى المنظمات الدولية أو على مستوى الدول، على الواجهة الدبلوماسية وعلى مستوى وسائط الإعلام المختلفة.
إنها مرحلة زاخرة بالآفاق الواعدة، حبلى بالانتصارات والمكاسب، ولكنها تضعنا أمام تحديات كبيرة، وتتطلب منا جميعاً التحلي بالمسؤولية والالتزام والمثالية والميدانية. ومن هذا المنطلق، نحن مطالبون بأن نكون في مستوىً عالٍ من التأقلم والانسجام مع متطلبات هذه المرحلة وما يقتضيه ذلك من إجراءات وخطوات عملية لتكريس التوجه الوطني العام. وفي هذا السياق دائماً، ينبغي العمل على تحقيق أعلى درجات الفعالية في تنفيذ البرامج والمقررات، بالتركيز على الأولويات، وفي مقدمتها جيش التحرير الشعبي الصحراوي، وجوانب أساسية أخرى، على غرار التأطير والتسيير وضمان وتحسين الخدمات.
ونظراً لظروف صحية قاهرة، وفي انتظار استكمال العلاج، بعد تجاوز مرحلة الخطر، لله الحمد والشكر، لن يكون بمقدوري الحضور الشخصي معكم هذه المرة، مع بقائنا على اتصال وثيق ومتابعة مستمرة، وكلي ثقة في أن الدورة العادية الرابعة للأمانة الوطنية ستتكلل بالنجاح وستخرج بالنتائج المتوخاة.
فكل الصعوبات وكل التحديات لا تصمد أمام إرادة مناضلين مخلصين، صادقين، ملتزمين بمبادئ الجبهة، متمسكين بعهد الشهداء، ومستعدين للتضحية والعطاء من أجل هذه القضية المقدسة، من أي موقع وفي أي مكان وفي أية ظروف، وخلفهم شعب أبي، مقدام، موحد ومصمم على انتزاع حقوقه المشروعة، مهما تطلب ذلك من ثمن ومهما اقتضى من زمن.
وفي الأخير، وبحكم تعذر حضوري شخصيا، وعملا بنص المادة 23 من النظام الداخلي للأمانة الوطنية، فإنني أفوض تسيير جلسات هذه الدورة الرابعة للأمانة الوطنية للأخ بشرايا بيون، عضو الأمانة الوطنية الوزير الأول، متمنيا له ولكم جميعا التوفيق والسداد.
كل التوفيق والنجاح،
كفاح، صمود وتضحية لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية.