17 سبتمبر 2024

إتفاق الدفاع المشترك الإسرائيلي-المغربي خطوة دعائية لمساعي تل أبيب لا غير.

تابع القراءة


مدريد، 25 نوفمبر 2021 (ECSAHARAUI)

بدأ النظام المغربي قبل أسبوع من زيارة “وزير الجيش” في الكيان الصهيوني، الترويج لهذه الخطوة الإستعراضية قصد إعطاء جرعة أمل لأتباعه تحت مُسمى التحالف عسكريا وأمنيًا مع ما يصفه بـ”قوة عالمية” وللرفع من معنويات جيشه المهترئة في ظل حرب الإستنزاف الذي تقودها جبهة البوليساريو منذ عام ضده على طول جدار الذل والعار في مواقع إستراتيجية كثغرة الگرگرات و أخرى في العُمق خلف جبال تويزگي.

فالمتتبع للسياسة المغربية، يفهم أن كل الخطوات التي تُعطى لها بهرجة إعلامية ضخمة والترويج لها في وسائل الإعلام، تضل مواد للإستهلاك الداخلي ونتيجتها في جعلها تطفو على السطح لأطول فترة ممكنة، ولعل خطوة إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل تغريدة لم تدم أسبوعين خير دليل على أن كل ما يتم نفخ فيه من قبل النظام القائم في المغرب فارغ المحتوى ولا يصلح سوى للدعاية.

وعلى عكس ذلك، فكل الخطوات التي قام بها المغرب لأهداف كان يراها إستراتيجية ظلت لأكبر وقت ممكن طي الكتمان وخلف الأسوار لولا أخطاء أو أحداث غير متوقعة كشفت عنها كانت ستبقى سرا، فعلى سبيل المثال ظل المغرب يقود حملة تجسس على هواتف شخصيات سياسة، وصحافيين ونشطاء ومحامون في أوروبا وإفريقيا قبل أن تنفجر الفضيحة التي عُرفت إعلاميا بـ”برنامج بيغاسوس” ثم قبلها بقليل صفقة تسلم طائرات بدون طيار من إسرائيل التي خُطط لها المرور عبر فرنسا لتفادي لفت الأنظار في ذلك الوقت (قبل التطبيع العلني) لعملية النقل بشكل مباشر من تل أبيب إلى الرباط سواءً عبر طائرات حشن مدنية أو عسكرية الإسرائيلية أو المغربية.

بالعودة إلى موضوع توقيع إتفاق مشترك للدفاع والأمن، لم يكن التعاون المغربي-الإسرائيلي سرا، بل ظل قائما منذ زمن طويل، ولعل شهادات قدماء ضباط المخابرات الإسرائيلية حول خدمات المغرب في المجال الأمني وكذلك البث المباشر لإحدى قمم الجامعة العربية المنعقدة في مراكش خير دليل على حجم التعاون بين الجانبين، وبالتالي فالجديد في هذه الخطوة هو رفع السرية بالإعلان رسميا بموجب إتفاق موقع، والغاية إعطاء جرعة أمل للجيش الذي يواجه حرب إستنزاف وشبح حرب أخرى مع الجزائر بأعتى جيوش القارة.

كل الحقائق التاريخية حول التعاون الاسرائيلي-المغربي، تؤكد على أن لا جديد يمكن أن يضيفه هذا الإتفاق على الأرض، وبالتالي فإن محاولة تصويره كعامل جديد من شأنه أن يغير قواعد اللعبة، لا يخرج عن خانة الدعاية التي هي أساس الخطوة، ولا يمكنه أيضا تجسيد صورة “الدولة القوية” التي يسعى المخزن تقديمها لرأيه الوطني وقدرتها على مواجهة التطور السريع للجيش الجزائري والإمكانيات الضخمة التي أصبح يمتلكها ليصنف في المركز الثاني في إفريقيا في ترتيب أقوى الجيوش والثالث عربيًا وفي المرتبة 27 عالميًا.

ولإكمال فصول الخطة الدعائية للإتفاق، كان لابد من ترسيخ لفكرة أو خلق إنطباع في نفوس شعوب المنطقة بأن الكيان الصهيوني يشكل قوة عظمى قادرة على حماية المغرب و الإستقواء بها ضد الجزائر أو جبهة البوليساريو، رغم أن الوقائع الميدانية هي الأخرى تنسف هذه الإدعاءات المضللة، أولا لإن هذا الكيان غارق في حرب متواصلة مع المقاومة الفلسطينية المسلحة ومع حزب الله وسوريا، فلا هو في النهاية قادر على التصدي بـ”قبته الحديدة” لغارات الفصائل ولا الحسم بطائراته المُسيرة لأيٍ من المواجهات ضدهم أو فرض إحتلاله وسيطرته على الجولان.

إن رهان المغرب على الدعاية لتحالف قديم مع الكيان الصهيوني وكأنه الفتح العظيم، لم يكن خيارًا بإرادة أكثر مما هو ردة فعل ناتج عن وضع جديد في محيطه الإقليمي والقاري، ويتعلق أساسًا بإحتلاله العسكري للصحراء الغربية ونشوب نزاع مسلح يبدو أنه طويل الأمد وحصار من جهة الشرق بسبب أزماته المتعدد مع الجزائر (غلق الحدود وتكثيف المراقبة العسكرية عليها، البرية والجوية، إنهاء عقد أنبوب الغاز) لينضاف إلى مشاكل أخرى في الشمال مع إسبانيا بخصوص ترسيم المياه قبالة سواحل جزر الكناري وأزمة سبتة ومليلة وقضايا أخرى معقدة. في سيناريو يشبه إلى حد بعيد وضع جمهورية إثيوبيا التي حاولت هي الأخرى علنا الإستقواء بإسرائيل على مصر والسودان قبل أن تسقط في متاهات وصراعات داخلية وفوضى عارمة أدت إلى إنهيار الجيش وجعلت بعض مدنها وعاصمتها شبه منكوبة وأعادتها سنوات إلى الوراء، لم تجد حينها أي دعم في أزماتها الداخلية والخارجية من تل أبيب التي لا ترى في أية خطوة تخطوها إلا ما ستربحه، كما هو الحال في تطبيع العلاقات مع الرباط وتوقيع إتفاقيات غايتها الأساسية تشجيع باقي البلدان العربية في المنطقة على التطبيع، أكثر من أي من فائدة للطرف الآخر.

لقد كانت خسارة النظام المغربي في هذه الصفقة، واضحة منذ الوهلة الأولى بوضع الموقف الشخصي لدونالد ترامب في كفة الأخرى من الميزان، كرهان لم يلبث كثيرا بعد مغادرته البيت الأبيض من الباب الخلفي، حيث بدأت الأمور تتجه عكس طموحات الرباط تدريجيا، فبعد إجتماع مجلس الأمن حول الصحراء الغربية بطلب من ألمانيا الإتحادية، ظهر سيناريو جديد في موقف واشنطن من خلال الوثيقة التي إقترحتها ورفضها فرنسا، وزاد اليقين بذلك أكثر في إجتماع مجلس الأمن نهاية أكتوبر الماضي، قبل أن يصطدم المخزن بواقع جديد من خلال موقف أكثر وضوح خلال زيارة بوريطة إلى واشنطن قبل إستقبال بلاده لوزير دفاع الكيان الصهيوني، في محاولة لإستغلال آخر ورقة (توقيع إتفاق الدفاع المشترك) لكسب عطف من الإدارة الأمريكية الجديدة التي كانت واضحة في موقفها الداعم للتطبيع فيما يخص صفقة القرن، وللعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية.

بناءً على هذه المعطيات الواضحة وسياسة تل أبيب المعروفة (رابح فقط) يمكن الجزم أن تواجد الكيان الصهيوني في شمال إفريقيا من خلال المغرب هو مجرد تموقع شكلي دعائي وغايته الأولى والأخيرة خلق مناخ يساعد على تأقلم باقي بلدان وشعوب المنطقة معه بدلا من محاربته ورفض تواجده بين الأمم لعقود طويلة، كما أن الكيان ليس بتلك البلادة حتى يدخل في خطوة إنتحارية ضد الجزائر بقوتها العسكرية الهائلة أو أي من دول الجوار تفتح حربا أخرى تنضاف للحروب التي إستنزفته ماديا ومعنويا وهو الطامح إلى إعطاء الإنطباع كنظام يطمح للسلام والود مع الشعوب العربية، في وقت يُنظر فيه للحرب المباشرة من قبل البلدان الطامحة لقيادة العالم كرهان خاطئ، يدفع نحو التخلف عن ركب القوى التي تعمل على إعادة ترسيم خارطة النفوذ والسياسة الدولية.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار