على مدار عام، منذ إستئناف الحرب الثانية في الصحراء الغربية بين الجيش الصحراوي، الذي يسعى إلى تحرير أراضيه، والجيش المغربي الذي يسعى إلى فرض واقع الإحتلال على الصحراويين، تواصل الوحدات الصحراوية تطويق القواعد المغربية و حصارها عسكرياً، من خلال عمليات نوعية تنفذ بشكل يومي على طول جدار العار.
في إحدى نقاط هذا الجدار، الذي يقسم الصحراء الغربية من الشمال الى الجنوب، حيث أعين المنظار تراقب كل حركة، يقف قائد الناحية العسكرية الرابعة للجيش الصحراوي محمد أوليدة، على بعد عشرة كيلومترات قي إتجاه الغرب، حيث تتمركز قوات الإحتلال المغربي، رفقة مجموعة من الصحفيين الأوروبيين إنتقلوا في الأيام الماضية إلى ساحة الحرب، حيث رصدوا بكاميراتهم إحدى عمليات القصف لمقاتلي الجيش الصحراوي على قاعدة عسكرية مغربية خلف جدار العار.
رسالة جبهة البوليساريو كانت واضحة: الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في حالة حرب مع المغرب.
لم يعد هناك أدنى شك أن الحرب تلوح في الأفق خلف كثبان الصحراء الغربية، تكاد تكون غير محسوسة، وتتطلب السفر لأميال وأميال في عمق الصحراء لرؤيتها وعيش تفاصيلها، فمنذ إنهيار وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو في نوفمبر 2020، عادت الصحراء الغربية مرة أخرى إلى حالة حرب بعد 30 عامًا من توقيع إتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب.
ملامح البطولة تغمر عيون الشباب، وسلاحهم في وجه جبروت الإحتلال وحلفاءه هو الإيمان والوطنية تجاه قضيتهم العادلة، لا أحد يقبل بالهزيمة، هذا ما شهدناه خلال قصف إحدى مواقع العدو المغربي على بعد تسعة كيلومترات من جدار العار بصواريخ بي إم 21 “غراد” وكان القصف في ذالك اليوم على إحدى أكبر القواعد المغربية في المنطقة والواقعة في خنگة حُرية القريبة من مدينة السمارة المحتلة.
في تخوم الصحراء الغربية، يُقاس الوقت بالمدة التي يستغرقها شرب ثلاثة أكواب من الشاي -وهي طقوس مقدسة حتى في حالة الحرب- ومع حلول الليل في جو بارد جدًا، يحرص المقاتلون على توزيع البطانيات على الضيوف الأجانب، حيث يظهر مشهد غير مألوف؛ عشرات الأحذية العسكرية منتشرة في المكان، يقف القائد محمد أوليدة عند رأس كل ضيف، رجل لا ينام معظم الليل، يتحدث كأب لجنوده حيث الأمور تسير على هذا النحو “كل وحدة عسكرية مُكلفة بجزء من الجدار” الوضع في خطوط التماس في حالة تأهب ليل نهار، حتى قبل إستئناف الحرب”، يقول قائد الناحية العسكرية الرابعة.
وبما أن لكل وضعية حساباتها الخاصة، يعتمد الجيش الصحراوي على سلاح فريد وهو إتقانهم وتأقلمهم مع تضاريس وظروف الصحراء الشاسعة. في الواقع، قد تبين ذلك في فبراير الماضي عندما خرجت قوات الإحتلال المغربي من تحصيناتها خلف الجدار قصد المواجهة مع الجيش الصحراوي في القطاع الشمالي بالمحبس.
كما في الذهاب، رحلة العودة كان لها أن تكون لمحطات، توقفنا ليلا في منطقة تابعة لبئر لحلو، ليس بعيد عن جدار العار، الفريق مرهق ودرجة الحرارة منخفضة أكثر من السابق، قضينا الليلة نفترش الأرض، وفي الساعات الأولى من النهار، إنطلقت القافلة بعد وجبة إفطار سريعة، قضينا الطريق في الدردشة حول الحرب وأسلوبها وما إلى ذلك من تكتيكات في ظل ما نراه من معدات جديدة وقدرة المقاومة والتأقلم معها، هنا الحديث ليس مع خبراء عسكريين أو محللين، بل مع مقاتلين يقفون في الصفوف الأمامية وخطوط التماس ويشرفون على العمليات العسكرية التي بلغت قرابة السنة، نكتشف من خلال حديثهم الإصرار على القتال والقدرة على خلق الفارق في الميدان رغم ما يمتلكه العدو من آلة الحرب المتقدمة. هنا في الصحراء الغربية الوضع الخاص، عامل الحسم لا يعتمد على الآليات المتطورة ولكن على الإرادة والخبرة في التضاريس والدقةو إختيار وإستخدام المعدات حسب كل منطقة والظرف والزمان.
إن الصحراء الغربية، في حالة حرب، لكن مازالت تقتصر على إطلاق الصواريخ من قبل الصحراويين والقذائف والقنابل العنقودية والقاذفات بطائرات بدون طيار من الجانب المغربي، وبما أنها أجبرت السكان في الأراضي المحررة على النزوح نحو مخيمات اللاجئين ومناطق أخرى بعيدة فهي بلا شك مقبلة على تصعيد صداه سيصل إلى المناطق الدول المجاورة وقد يؤدي إلى تفاقم وضعها.