نفتتح اليوم أشغال المؤتمرالتاسع للاتحاد العام لعمال الساقية الحمراء ووادي الذهب، المنعقد تحت شعار “عمل، تضحية وفاء لاستكمال التحرير والبناء” في ظروف متميزة من كفاح شعبنا، يتصدرها استئناف الكفاح المسلح. ولطالما كان للعمال الصحراويين مكانة بارزة، ودور محوري في تاريخ المقاومة الوطنية. فقد كانوا حاضرين بقوة، منذ البدايات الأولى للثورة، ومساهمين بفعالية في مختلف مناحي المعركة التحريرية. وعلى سبيل المثال فقط، يمكننا التذكير بعملية الحزام الناقل للفوسفاط، أكتوبر 1975، أو بالنضالات البطولية المتواصلة في الأراضي المحتلة وجنوب المغرب.
لقد سارع العمال الصحراويون إلى الالتحاق بجبهات القتال، بلا تردد، من مواقع عملهم، داخل الوطن أو في المهجر، وانخرطوا في صفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي، إلى جانب رفاقهم من مختلف فئات المجتمع، فأبلوا، ولا زالوا، البلاء الحسن،في كل جبهات النضال، وقدموا التضحيات الجسام بكل سخاء، فداء للوطن، شهيدات وشهداء بررة، من أمثال الشهيد الزين امبيريك اعلي فال، الذي يحمل اسمه هذا المؤتمر.
وبهذه المناسبة، نقف اليوم وقفة ترحم وإجلال على أرواح كل شهداء القضية الوطنية، وفي مقدمتهم شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، والرئيس الشهيد محمد عبد العزيز.
الأخوات والإخوة ،
لاشك أن ما تعرضت وتتعرض له المناضلة سلطانة خيا وعائلتها من ممارسات ترهيبية بشعة، وصلت حد الاغتصاب، ناهيك عن التنكيل والتعذيب والإهانة والتضييق والحصار، يسائل المجتمع الدولي، وخاصة الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، على غرار الصليب الأحمر الدولي وغيره، عن واجبه ومسؤوليته في حماية المدنيين العزل في حالة الحرب، وتحت وطأة الاحتلال. وبقدر ما تثير هذه المعاناة والمأساة المستمرة من مشاعر الغضب والاستياء والإدانة وما تتطلبه من ضرورة التحرك العاجل، بقدر ما تدفع إلى التوقف عند هذا الصمت الغريب المريب من طرف كل تلك الجهات.
ونحن إذ نرفع آيات التضامن والمؤازرة مع المناضلة سلطانة خيا و، من خلالها، إلى كافة بطلات وأبطال انتفاضة الاستقلال المباركة، التي لن يزيدها قمع وحصار العدو سوى اشتعالاً واتساعاً، فإننا نلح من جديد على المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته لوضع حد لواحدة من أبشع جرائم الاحتلال في تاريخ البشرية، برفع الحصار فوراً عن منزل عائلة أهل سيد إبراهيم ولد خيا، ومن ثم عن الأراضي الصحراوية المحتلة، وإطلاق سراح الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية، وفي مقدمتهم مجموعة اگديم إيزيك.
إن دولة الاحتلال المغربي تمتهن اليوم انتهاك حقوق وكرامة الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة، على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة، الممثلة في المنطقة ببعثة المينورسو، وتمارس الحصار الخانق والقمع والتضييق وشتى صنوف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ولم يقتصر الأمر على الزج بالأبرياء في السجون، إثر محاكمات صورية ولا شرعية، وإخضاعهم لأبشع أشكال التعذيب والترهيب، بل وصل إلى الاستهداف المباشر للمدنيين العزل بالقصف الصاروخي والقنبلة، راح ضحيته مدنيون صحراويون وجزائريون وموريتانيون.
لقد أشعلت دولة الاحتلال المغربي فتيل المواجهة المسلحة في المنطقة، ليس فقط بممارساتها الاستعمارية الرامية إلى محاولة تشريع احتلال عسكري لا شرعي، ولا بنهبها المكثف والمتزايد للثروات الطبيعية الصحراوية، ولا بوجود ثغرة غير قانونية في جدار الذل والعار، رمز الاحتلال والميز العنصري، ولكن أيضاً من خلال نسفها لاتفاق وقف إطلاق النار مع الجانب الصحراوي، بقيامها بالاعتداء على مدنيين عزل واحتلال أجزاء جديدة من التراب الوطني الصحراوي بمنطقة الكركرات، في 13 نوفمبر 2020.
وفي ظل استمرار هذه الانتهاكات الجسيمة وهذا الإرهاب المكشوف، لا يستقيم إطلاقاً الحديث عن أية عملية سلام، ولا يمكن مطالبة جبهة البوليساريو بأي تعاون بهذا الشأن، ما لم يتم وضع حد لهذا التعنت والاستهتار من طرف دولة الاحتلال المغربي والذي أدى إلى اندلاع المواجهة المسلحة وسيؤدي إلى عواقب وخيمة على السلم والاستقرار في كامل المنطقة.
فمن غير الممكن على الإطلاق انتظار السلام والاستقرار في المنطقة ما لم يتم تطبيق الشرعية الدولية، المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه، غير القابل للتصرف ولا للمساومة ولا للتفاوض، في تقرير المصير والاستقلال، واحترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال.
إننا نطالب الأمم المتحدة وشريكها الاتحاد الإفريقي بتحمل مسؤوليتهما في الإسراع في استكمال مقتضيات خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، باعتبارها العقد الوحيد الذي يجمع طرفي النزاع، حظي بتوقيعهما وبمصادقة مجلس الأمن الدولي.
الأخوات والإخوة،
بودي أن أتوجه بالترحيب والتحية الحارة إلى كل الوفود الشقيقة والصديقة التي حملت، من مختلف القارات، رسائل التضامن والسلام مع العمال الصحراويين، معبراً عن كل التقدير لما بذلوه من جهود من أجل المشاركة المشكورة في هذا المؤتمر. واسمحوا لي أن أتوجه بشكر خاص إلى ممثلي الجزائر الشقيقة، جزائر النبل والشهامة والشموخ والمواقف المبدئية الراسخة، رغم كل المؤامرات والدسائس. كما لا يفوتني أن أرحب ترحيباً خاصً بالوفد القادم من موريتانيا، البلد الشقيق الذي نتقاسم معه أواصر الأخوة والجوار والمصير المشترك.
وهنا لا بد من أن نندد بأشد العبارات بالمواقف العدوانية لدولة الاحتلال المغربي تجاه الشعب الصحراوي وشعوب المنطقة، ليس فقط جراء سياساتها التوسعية المقيتة، ولكن لتحولها إلى دولة وظيفية، تخدم بشكل سافرومخجل مصالح وأجندات أطراف أجنبية، تشكل خطراً محدقاً وداهماً على السلم والاستقرار في كامل المنطقة.
أيتها المؤتمرات أيها المؤتمرون،
في هذا الوقت الذي تشرعون فيه في محطات مؤتمركم التاسع، نتقدم بالتهنئة على الجهود والانجازات المحققة خلال العهدة المنصرمة، والحضور المعتبر للمنظمة ومكوناتها المختلفة، على غرار الاتحادات المهنية، سواء في إطار الأنشطة والبرامج الوطنية داخلياً، أو على صعيد العمل على الساحة الدولية.
على كل حال، يجب أن نكون جميعاً، وهذا يعني كل مكونات الجسم الوطني الصحراوي، في جميع مواقع تواجدها، مدركين بأن المرحلة تتطلب تجاوباً واعياً ومسؤولاً، على مستوى الذهنيات والممارسات، لتسمو إلى ما تقتضيه الأولويات الملحة، على ضوء قرارات المؤتمر الخامس عشر للجبهة والتطورات المتلاحقة، وخاصة تقوية وتدعيم جيش التحرير الشعبي الصحراوي وجعله في جاهزية كاملة ودائمة، بشرياً ومادياً.
وهذه مناسبة لنتوجه بتحية التقدير والإجلال إلى هذا الجيش البطل، الذي يرابط اليوم على جبهات القتال، في ميادين الشرف والعزة والإباء، وكله إصرار على استكمال مهمة التحرير على باقي تراب الجمهورية الصحراوية.
فالشعب الصحراوي، الذي برهن بالدليل القاطع على تشبثه الصادق بالسلام، هو اليوم أكثر إصراراً من أي وقت مضى على المضي في حربه التحريرية العادلة، بكل السبل المشروعة، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، في كنف الوحدة الوطنية، وبقيادة ممثله الشرعي والوحيد، رائدة كفاحه الوطني، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
كل التوفيق والنجاح لمؤتمركم.
قوة، تصميم وإرادة، لفرض الاستقلال والسيادة.
شكراً والسلام علكيم .