back to top
01 نوفمبر 2025

قراءة تقنية للقرار الذي إعتمده مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء الغربية تحت الـرقم (S/2025/2797)

تابع القراءة

بقلم: عالي إبراهيم محمد


إعتمد مجلس الأمن أمس قراراً جديدا حول الصحراء الغربية، تحت رقم (S/2025/2797) الذي كان محل جدل لما يزيد عن ثلاث أسابيع، أُجريت على نسخته الاولى تعديلات لغوية وسياسية على مرتين في اعقاب المشاورات التي عقدها أعضاء مجلس الأمن، وبالنظر إلى أن المجلس لم يركز على المُضي في لعب دوره المتمثل في تحقيق الحل النهائي وفق قواعده التنظيمية والقانون الدولية، يمكن إعتبار ما وصله إليه بات أشبه بالحريص على إرضاء طرفي النزاع وفقط.

¿ما الذي إعتمده مجلس الأمن فعلاً بشأن الصحراء الغربية؟الحقيقة وراء القرار 2797

هذا الأمر بدى هذه المرة أوضح من السابق، سيما في بعض الفقرات، مثال الفقرة الثالثة من الديباجة، يقول “وإذ يعيد تأكيد التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين على أساس التسوية بما يتوافق مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبدأ تقرير المصير، وإذ يشير إلى دور الطرفين و مسؤولياتهما في هذا الصدد” (إنتهى الإقتباس) هنا المجلس يميل بالكفة إلى موقف طرف الصحراوي والمطالب التي كررها وأكد عليها منذ بداية العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة. ثم يعود في الفقرة الموالية، ليقول “وإذ يحيط علما في هذا السياق بالدعم الذي أعربت عنه العديد من الدول الأعضاء لمقترح المغرب بشأن الحكم الذاتي، المقدم في 11 نيسان/أبريل 2007 إلى الأمين العام، كأساس لحل عادل ودائم ومقبول للطرفين للنزاع؛ وإذ يؤكد أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر قابلية للتطبيق” (إنتهى الإقتباس) بهذه العبارة يعود بالكفة إلى جانب طرح دولة الإحتلال المغربي، بهذا يكون المجلس قد منح نقطة لكل طرف في الشق الديباجة والتي غالبا تتضمن آراء ووجهات نظر المجلس أو حامل القلم حول مجموعة من التطورات المرتبطة بالقضية قيد المعالجة.

أما في الفقرة الخامسة من الديباجة، يقول القرار “وإذ يرحب بمبادرة المبعوث الشخصي إلى الأطراف للاجتماع من أجل الاستفادة من الزخم السائد واغتنام هذه الفرصة غير المسبوقة لتحقيق سلام دائم؛ وإذ تحث على تقديم الدعم الكامل للمفاوضات والمشاركة فيها بحسن نية” هنا يعود المجلس لتأكيد الدعم للجهود الأممية في المفاوضات التي ينوي عقدها، ولكن دون تحديد ماهية هذه المفاوضات، ولكن يبقى الهدف دائما لتحقيق سلام دائم، دون الإشارة إلى الكيفية والشكل للوصول إلى هذا الهدف، بمعنى آخر ترك الباب مفتوحا لأي حل يمكن للمفاوضات أن تصل إليه.

هنا إنتهت الديباجة، بمنح نقطة لكل طرف وللوسيط الأممي، بهذا يكون المجلس في هذا الشق الأول، قد وقف على نفس المسافة من الطرفين وأيضا أظهر إهتمامه بجهود المبعوث الذي يمثل الامانة العامة للأمم المتحدة في هذه القضية.

وفيما يخص الإجراءات، يقول “يشجع المانحين وبشدة على توفير أموال إضافية وعلى تسجيل اللاجئين” بهذا يكون المجلس من جهة قد أيّد نداءات جبهة البوليساريو عبر الهلال الأحمر الصحراوي، وبالتالي سوف يشارك في جانب دعم صمود جزء من الشعب الصحراوي في مخيمات اللاجئين، ومن جهة أخرى أيّد مطالب المغرب بتحديد عدد اللاجئين، بمعنى آخر منح نقطتين إضافتين لكل طرف. أما في الفقرة رقم 1 التي وردت في المنطوق، “يقرر تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية حتى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2026” هذا يشكل إستجابة لطلب الامين العام للأمم المتحدة الذي ورد في تقريره إلى المجلس تحت رقم (S/2025/612).

في الشق الخاص بالتوصيات، تقول الفقرة 2 من المنطوق، “يعرب عن دعمه الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء المفاوضات على أساس مقترح المغرب بشأن الحكم الذاتي، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول للطرفين للنزاع، يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، ويرحب بأي اقتراحات بناءة من الطرفين رداً على مقترح الحكم الذاتي” (إنتهى الإقتباس) في هذه الفقرة قد يُفهم أن المجلس  قد جمع “الأضداد” بحيث؛

1. يدعم مفاوضات على الحكم الذاتي وحل يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، ولكن في الحقيقة مصطلح -المفاوضات- و -الحل- مختلفان في المضمون والمعنى، بحيث أن المفاوضات هي وسيلة أو طريقة وبالتالي يمكن أن تحل محلها وسائل أخرى في حال فشلها، أما الحل فهو هدف كما أُشير إليه في الفقرة، وبالتالي هو النتيجة الوحيدة والحتمية لأية وسيلة سواءً كانت مفاوضات في إطار الحكم الذاتي أو خارجه. هنا تبقى اللغة المستخدمة في الإشارة إلى المقترح المغربي، ضعيفة للغاية سياسياً وحتى على مستوى الآثر القانوني.

2. في الجزء الأخير من الفقرة (2) ذاتها القائلة “ويرحب بأي اقتراحات بناءة من الطرفين رداً على مقترح الحكم الذاتي” هنا تحول آخر أو بالأحرى إسقاط تلقائي لحصرية الحل وتخلي صريح سياسياً عن فكرة أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد الممكن، بحيث يفتح المجلس الباب أمام كل المقترحات الأخرى خارج إطار المقترح المغربي للحكم الذاتي”، ما يعني أن المقترح الموسع الذي قدمته جبهة البوليساريو في 20 أكتوبر 2025 إلى مجلس الأمن وإلى الامين العام للأمم المتحدة المسجل في وثائق المنظمة الأممية تحت رقم (S/2025/664) هو الآخر يمكن أن يكون في المستقبل على طاولة المفاوضات من بين المقترحات لتحقيق الحل الدائم والعادل والمقبول للنزاع.

ورد الآن | الأمم المتحدة تجدد ولاية بعثتها للإستفتاء في الصحراء الغربية عامًا إضافيًا، مع امتناع روسيا والصين و باكستان عن التصويت

على نفس المنوال، في الفقرة رقم 3 ولكن بتوضيح أكثر من الناحية القانونية حين يشير بصريح العبارة إلى شرط توفير حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، بحيث يقول “يدعو الأطراف إلى المشاركة في هذه المناقشات دون شروط مسبقة، على أساس اقتراح المغرب بشأن الحكم الذاتي، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للجميع يوفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، ويقر بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر قابلية للتحقيق، ويشجع الأطراف على تقديم أفكار لدعم حل نهائي مقبول للجميع” (إنتهى الإقتباس) في هذه الفقرة من الطبيعي أن نطرح السؤال بخصوص مصطلح “إقرار المجلس” بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر قابلية للتحقيق، ففي الجزء الأول من العبارة، بخصوص مصطلح الإقرار من الناحية القانونية يجب أن يكون صادر من أحد الأطراف لصالح رأي الأخر، أي منافسه وليس من الحَكَمْ أو القاضي إلا في حالة إثباته بالحجة القانونية والأدلة المادية القطعية، في هذه الحالة الحَكَمْ الذي هو مجلس الأمن في هذه النازلة لم يثبت الأدلة المادية اللازمة تسمح بإعطاء لهذا الإقرار طابع القانوني، كما أيضا جبهة البوليساريو لم تُقر بأن الحكم الذاتي يمثل قابلية أو إمكانية التحقيق أو التطبيق، أما الجزء الثاني من ذات العبارة، أي “يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر قابلية للتحقيق” تعني الإفتراض وليس المؤكد أو الثابت وبالتالي هناك جانب من الشك يحوم حول الأمر، بمعنى آخر يُفقده وزنه وعامل الترجيح ضمن المقترحات. بالتالي فإن الصيغة التي ورد بها المقترح المغربي، لا تحمل كما سبق الإشارة وزن سياسي أو قانوني، بل يمكن القول أنها أُفرغت من تلك الحمولة من خلال هذه الصياغة التي حصرتها بشرط تحقيق الهدف الذي هو حق تقرير المصير كسقف لذلك، خلافا لما كانت عليه في مقترح المسودة الأول والثاني، قبل التعديلات.

في الفقرة 4 يمنح المجلس مرة أخرى نقطة للمبعوث الأممي ومنه إلى الأمانة العامة و لـ”جهودها” في تيسير العملية السياسية تفاديا للتصعيد العسكري، حيث يعود في هذه الفقرة ليقول “يدعو الدول الأعضاء إلى تقديم المساعدة والدعم المناسبين لهذه المفاوضات ولجهود المبعوث الشخصي” (إنتهى الإقتباس) هذه النقطة لا تخرج عن سابقتها المتعلقة بالمبعوث والامين العام، أي تأييد لما يعملون عليه ويرونه مناسبا لمسار التسوية دون إشتراط هدف محدد أو أسلوب معين لذلك، بمعنى يُبقى الباب مفتوح أمام أي نتائج محتلمة للعملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.

على المستوى الإجرائي، يعيد المجلس التأكيد على إتباع نفس القواعد المعمول بها سلفاً، في هذا الصدد “يطلب إلى الأمين العام أن يقدم إحاطات إلى مجلس الأمن بصفة منتظمة، وفي أي وقت يراه مناسبا خلال فترة الولاية، ويطلب إلى الأمين العام أيضا أن يقدم، في غضون ستة أشهر من تجديد هذه الولاية، استعراضاً استراتيجياً بشأن ولاية البعثة المستقبلية، مع مراعاة نتائج المفاوضات” وهذا طبعا لا يشترط الوسيلة ولا الهدف، ثم في الفقرة رقم 6 “الإبقاء على قضية الصحراء الغربية قد المعالجة” على مستوى المجلس وهذا إجراء روتيني ولكن يُفند مرة أخرى الإدعاءات المُضللة لدولة الإحتلال المغربي القائلة جوراً بأن الملف حُسم وتم طيُّهُ على مستوى الأمم المتحدة.

خلاصة : لابد من التذكير بهذه النقاط الثلاثة، رغم أنها معروفة في الأصل، أولاً، الفصل السادس الذي تعالج فيه القضية الصحراوية داخل مجلس الأمن، يجعل كل القرارات غير إلزامية التطبيق من قبل الأطراف، ثانياً التحول التدريجي على مستوى مجلس الأمن فيما يتعلق بأسلوب المعالجة الذي إنتقل به من موقع المعني بالدفع نحو إيجاد الحل إلى الحريص على خلق التوازن بين الطرفين وإبقاء الوضع على ماهو عليه، ثالثاً وأخيراً، التعديلات التي أُضيفت في مناسبتين على النسخة الأولى التي كانت تميل بنسبة كبيرة لطرح دولة الإحتلال المغربي لتصبح في النسخة الأخيرة على نفس المسافة من الطرفين مع نقطة تحول بسيطة متمثلة في ربط المقترح المغربي بموافقة الشعب الصحراوي عبر إستفتاء تقرير المصير، الشيء الذي يجعله صعب التحقيق وهو ما تبين من خلال الإشارة فقط إلى إمكانية التطبيق وليس الجزم كما في النسخة الاولى، ثم فتح الباب أمام مقترحات جديدة، ما سيعطي مستقبلا فرصة للمقترح الموسع لجبهة البوليساريو في حال الحفاظ على الزخم الذي أحدثه.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار