back to top
12 نوفمبر 2025

«موريتانيا… السيادة التي لا تصرخ»: كيف نجحت نواكشوط في ما فشل فيه تحالف الساحل (AES)

تابع القراءة

مدريد (ECS).— الوضع الأمني في منطقة الساحل


يقدّم الباحث المالي سامبو سيسوكو في المقال، نشر على وسائل الإعلام، قراءة لافتة لتجربة موريتانيا في مواجهة الإرهاب وبناء الدولة، مقارنة بجيرانها في تحالف دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو).

يرى الكاتب أن قوة موريتانيا تكمن في صمتها الاستراتيجي: فهي لم ترفع شعارات «السيادة المستعادة» أو «القطيعة مع الغرب»، بل طبّقت سيادتها على الأرض بذكاء وهدوء.

مدى التهديد الجهادي: هذه هي الجماعات الإرهابية المتواجدة على أبواب باماكو

بدل العمليات العسكرية العشوائية والاستعراضات، اعتمدت نواكشوط على مقاربة ميدانية وإنسانية: ضباط متمرسون يعرفون المجتمع المحلي، شبكة استخبارات فعّالة، وحوار ديني مع المتطرفين أعاد كثيرين منهم إلى الحياة المدنية.

بهذا الفهم الاجتماعي والديني، قضت موريتانيا على التطرّف من جذوره، بينما استنزف العنف جيوش الجوار، بما في ذلك مالي و النيجر و بوركينا فاسو. 

سياسيًا، التزمت المؤسسة العسكرية بدورها المهني بعد انقلاب 2008، فلم تتحول إلى سلطة حاكمة كما حدث في دول الساحل الأخرى.

وخارجيًا، تبنّت حيادًا براغماتيًا: لا عداء لفرنسا، ولا ارتهان لموسكو، بل تعاون انتقائي يخدم المصلحة الوطنية بالدرجة الأولى مع مراعاة التوازنات الدولية و الإقليمية، و خاصة في دول الشرق الأوسط.

ورغم هشاشتها الاقتصادية وتحدياتها الديمقراطية، تظل موريتانيا نموذجًا نادرًا للاستقرار في منطقة تشتعل بالأزمات، لأنها اختارت العقل والهدوء بدل الصخب والشعبوية. الدرس الذي تقدّمه نواكشوط لجيرانها بسيط لكنه عميق: “السيادة لا تُعلن في الخطب، بل تُبنى في الصمت، بالمعرفة والانضباط والعمل المستمر.”

موريتانيا، “الإستثناء الصعب” في قلب عاصفة الإرهاب في منطقة الساحل

في خضم كل هذا، و بينما تتوالى الهجمات الإرهابية و العنف والانهيار الأمني في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تبدو موريتانيا وكأنها جزيرة هادئة وسط محيط مضطرب. هذا ما جاء مؤخراً في صحيفة لوموند الفرنسية في أكثر من تقرير، مؤكدة أن المقاربة الأمنية في موريتانيا نجحت – حتى الآن – في تحصين البلاد من موجات العنف الإرهابي الذي يهز منطقة الساحل منذ أكثر من عقد.

الوضع الأمني في المنطقة 

في تقرير حديث بعنوان: «من مالي، تحاول تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين التمدد نحو السنغال وموريتانيا» و كشفت الصحيفة الفرنسية أن هذه الجماعة المرتبطة بالقاعدة تضاعفت عملياتها في منطقة خاي جنوب غرب مالي سبع مرات الهدف كان واضحاً:

 1. قطع خطوط الإمداد نحو العاصمة باماكو.

 2. توسيع شبكات التمويل عبر التهريب والأنشطة غير الشرعية.

 3. مد نفوذها عبر الحدود إلى موريتانيا والسنغال.

ورغم هذا التمدد، لم تسجَّل حتى الآن أي عمليات داخل الأراضي الموريتانية، وهو ما اعتبرته لوموند نجاحًا أمنياً لافتًا في ظل بيئة إقليمية مضطربة.

الاستثناء الموريتاني، ¿كيف؟

في تقرير سابق بعنوان: «في الساحل، الاستثناء الموريتاني في مواجهة الجهاد»، أوضحت لوموند أن موريتانيا لم تشهد أي هجوم جهادي على أراضيها منذ عام 2011، وهو ما يميزها عن دول الجوار. ويعود ذلك –حسب التحليل– إلى مجموعة من العوامل أهمها:

 • إستراتيجية أمنية صارمة: تعزيز الجيش وقوات الأمن مع إنشاء وحدات خاصة قادرة على التدخل السريع في المناطق الحدودية الوعرة.

 • دبلوماسية رزينة: تجنبت موريتانيا الانجرار إلى النزاعات الداخلية في مالي، مكتفية بتقوية حدودها والتعاون الاستخباراتي الإقليمي.

 • إحتواء داخلي: أطلقت الدولة برامج “مراجعات فكرية” مع معتقلين سلفيين، ومنحت بعضهم فرصة للاندماج مجددًا، ما خفف من خطر التجنيد الداخلي.

 • ضبط الخطاب الديني: تمت مراقبة الحقل الديني و توجيهه عبر مؤسسات رسمية، ما قلّل من انتشار خطاب التحريض والتجنيد.

الساحل: الجماعات الجهادية على أبواب باماكو

تحديات المرحلة المقبلة

رغم كل هذه العوامل الإيجابية، إلا أن موريتانيا مُطالبة بالحذر لأن هذا “الاستثناء” ليس مضمونًا إلى الأبد. فالتمدّد الجهادي نحو الحدود الموريتانية، والفراغ الأمني في مالي، وانتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية، كلها عوامل تهدد بتقويض التجربة الموريتانية إذا لم يتم التركيز على عدة نقاط منها:

 1. تعزيز المراقبة الحدودية والاستخباراتية.

 2. تطوير التعاون مع الجمهورية الصحراوية و الجزائر والسنغال والاتحاد الإفريقي.

 3. تجديد الخطاب الديني والاجتماعي بما يعزز الحصانة الداخلية.

منذ عام 2011 لم تتعرض موريتانيا التي تشترك مع مالي حدودا تمتد لحوالي 2.200 كيلومتر، لأي هجوم على أراضيها. فولاية الحوض الشرقي الشاسعة، لا يوجد متر واحد منها خارج السيطرة” يقول الشيخ أواه منسق وحدة تنمية الولاية. في مقابل ذلك وعلى مدار 15 عاما الماضية، طورت موريتانيا مصالحها الاستخباراتية ذات طابع مجتمعي محلي جعلتها “فائقة الفعالية” وفقا للمراقبين، ولتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2023، حول الإرهاب، أشار إلى وجود فعلا “شبكة استخبارات بشرية فعالة، نشطة بالأساس في الحوض الشرقي”.

لقد ركزت موريتانيا على محاولة تقريب الدولة من مواطنيها من خلال وضع استراتيجية تجمع بين الأمن والتنمية “وقد وجدنا أن الاستجابة الأمنية وحدها لم يسبق أن نجحت في مكافحة الإرهابيين” يقول الشيخ أواه. ففي 2019 تم إنشاء “كتائب الجمال” أو “الدركيون الصحراويون راكبو الجمال”، وأعدادهم بالمئات، معظمهم من شرق موريتانيا، مهمتهم جمع المعلومات الاستخباراتية، وتجسيد وجود الدولة بين السكان الرحل، يوضح الجنرال يعقوب، وهو عسكري موريتاني متقاعد. ويتوقع أن تدخل مبادرة ممولة جزئيا من الاتحاد الأوروبي بقيمة 5 ملايين يورو على مدى 4 سنوات مرحلة جديدة في 2026، من خلال نشر ألوية جديدة في منطقة الحوض الغربي بالقرب من منطقتي خاي ونيورو الساحل في جنوب غرب مالي، حيث تتواجد الجماعات المسلحة.

فيما انخرطت موريتانيا في عمل ديني ضد الخطاب الأصولي، يوضح أمادو سال رئيس مركز أبحاث آفاق موريتانيا، فيما يوجد “تماس حقيقي بين السلطة السياسية والدينية والأمنية، مما يتيح للموريتانيين الحفاظ على استقرارهم” يقول سفير الاتحاد الأوروبي لدى موريتانيا خواكين تاسو فيلالونغا. ومنذ سنة 2023، اضطرت موريتانيا للتعامل مع تدفق اللاجئين الماليين، حيث استضافت زهاء 245 ألف لاجئ يقول الشيخ أواه، مضيفا “هذه مشكلة أمنية حقيقية بالنسبة لنا، لأن جميع الماليين الذين يصلون معبر فصالة الحدودي المفتوح مرحب بهم على الأراضي الموريتانية”.

في مقابل ذلك، يتداول بعض مراقبون ما قيل أنه إمكانية وجود اتفاقية عدم اعتداء بين موريتانيا و”الجهاديين”، لكن نواكشوط نفت دائما وجودها. مصدر مقرب من السلطات في البلاد قال : “أن مخيم امبرة، حيث يوجد معظم اللاجئين الماليين، يستضيف أطفالا وزوجات أعضاء في الجماعات المسلحة، وهو ما يفسر عدم الهجوم على موريتانيا”.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار