back to top
10 نوفمبر 2025

الساحل: الجماعات الجهادية على أبواب باماكو

تابع القراءة

مدريد (ECS).— في السادس عشر من سبتمبر الماضي، مرّ عامان على تأسيس “تحالف دول الساحل” (AES)، الذي يضم كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي ثلاث دول شكّلت مثلثاً من العنف الجهادي والأزمات وعدم الاستقرار نتيجة تصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية المتمركزة في أراضيها، خصوصاً في منطقة ليبتاكو غورما وشمال مالي (أزواد) وعلى الحدود مع موريتانيا و السنغال و غينيا.

حصارات الساحل الصامتة… من غاوا إلى كايس

هذا التحالف، الذي أُنشئ لمواجهة الإرهاب، لم يحقق أي تقدم يُذكر في عملياته، بل أدى إلى إعادة هيكلة عميقة للالتزامات الأمنية السابقة، وأجبر دول الجوار على مراجعة استراتيجياتها الأمنية والسياسية. فقد قطعت دول مثل النيجر ومالي وتشاد علاقاتها مع شركائها الغربيين التقليديين كفرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتملأ فراغ التعاون الأمني بدول مثل روسيا والصين وتركيا.

كما دخلت قوى إقليمية أخرى، مثل الجزائر ونيجيريا وساحل العاج، في إعادة صياغة علاقاتها مع دول التحالف بما يضمن أمنها القومي ويحول دون تمدد التهديدات إلى أراضيها. أما الغرب، فقد بات يفتقر إلى الحلفاء في غرب إفريقيا، ويعتمد على شركاء معدودين مثل موريتانيا والسنغال لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة.

من جهة أخرى، تصاعد النشاط الإرهابي في الأشهر الأخيرة. فقد أثبت تنظيم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM)، الموالي لتنظيم القاعدة، وجوده القوي من شمال مالي حتى جنوب بوركينا فاسو، بل وحتى في دول خليج غينيا، مثل توغو وبنين. أما تنظيم الدولة الإسلامية في الساحل، الذي ينشط شرق مالي (منطقة ميناكا) وفي النيجر (تيلابيري)، فقد عزز موقعه منذ 2022 حين تحوّل إلى “ولاية” تابعة للتنظيم الأم، محققاً نجاحات ميدانية وإعلامية، مع اعتماد استراتيجية جديدة تتمثل في خطف المواطنين الغربيين وغير الغربيين.

وتواجه الأنظمة العسكرية في هذه الدول ضغوطاً هائلة مع تصاعد هجمات التنظيمات الجهادية، التي تسعى للحفاظ على السلطة بأي ثمن، رغم أن معظمها جاء إلى الحكم عبر انقلابات عسكرية، آخرها في النيجر في يوليو 2023. لكن فشلها في الحد من الإرهاب بدأ يقوّض شعبيتها، ما أدى إلى محاولات انقلابية جديدة تهدف إلى إسقاط هذه الأنظمة.

وفي مواجهة ذلك، تلجأ هذه المجالس العسكرية إلى أساليب قمعية أشد قسوة، تشمل الاعتقالات التعسفية وانتهاكات الحقوق الأساسية والعقوبات الميدانية الصارمة، في محاولة لإسكات الأصوات المنتقدة.

أما المجتمع المدني، العالق بين نيران الجماعات الجهادية وقوات الأمن، فيعاني من واقع أمني متدهور، ومن اقتصاد إجرامي متسع باتت فئات متزايدة من السكان تعتمد عليه، إضافة إلى النزاعات العرقية التي تغذي دوامة العنف المحلي. وتفاقم التغيرات المناخية—من فيضانات وجفاف وتصحر—الأزمة الإنسانية، إذ تدفع المجتمعات إلى النزوح نحو مناطق أكثر خصوبة، حتى لو كان ذلك تحت سيطرة الجماعات المسلحة أو الميليشيات القبلية.

بات الساحل اليوم ساحة صراع جيوسياسي متعدد المستويات، ويعيش واحدة من أخطر لحظات تاريخه الأمني، مع تفاقم الأزمات الإنسانية وغياب أي حماية حقيقية للسكان المحليين.

موريتانيا، «الإستثناء الصعب» في قلب عاصفة الإرهاب في منطقة الساحل

الساحل يتحوّل إلى “مركز الإرهاب العالمي”

أشار التقرير الشهري الأخير الصادر عن المركز الاستراتيجي للدفاع والأمن (CEDyS) إلى ارتفاع ملحوظ في النشاط الإرهابي خلال شهر أكتوبر في دول الساحل، ما يعكس تمدداً واضحاً في نفوذ الجماعات المتطرفة حتى مشارف العاصمة المالية باماكو.

حصار اقتصادي وتوسع ميداني

شهد شهر أكتوبر تصعيداً في الهجمات الجهادية مصحوباً بتدهور اقتصادي خانق. ففي مالي، عززت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM) نفوذها عبر فرض حصار اقتصادي يفضح هشاشة الدولة ويقوّض شرعية المجلس العسكري الحاكم.

أزمة الوقود، التي تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة، شلّت الاقتصاد المالي وعمّقت الانقسامات الداخلية. وامتد الحصار من مناطق كايس ونيورو إلى الطرق التجارية الرئيسية، مثل محور كايس–باماكو (عبر السنغال وموريتانيا) ومحور سيكاسو–باماكو (المتصل بساحل العاج). وتشير مصادر محلية إلى تدمير أكثر من 230 شاحنة وقود منذ بداية ما أصبح عملياً حصاراً كاملاً لإمدادات الطاقة.

عمليات الجماعة، التي تشمل الكمائن والعبوات الناسفة والحرق والابتزاز، لم تؤدِ فقط إلى تعطيل النقل التجاري وانسحاب الشركات الخاصة، بل أثرت أيضاً على واردات الطاقة والمعادن والمواد الغذائية.

ويبدو أن هدف المسلحين هو إظهار ضعف النظام وإفقاد المواطنين الثقة بالمجلس العسكري. وعلى الرغم من تقديرات بعض المصادر بأن سقوط الحكومة قد يحدث خلال ثلاثة إلى خمسة أشهر، فإن المحللين يستبعدون قيام “خلافة إسلامية” في مالي لأسباب لوجستية وتنظيمية. لكن مراقبين يرون أن “معجزة وحدها قد تنقذ الحكومة”، في ظل أنباء عن قنوات تفاوض سرّية بين باماكو والجماعة المسلحة.

الأزمة تتفاقم كذلك بسبب الانقسامات داخل الجيش المالي، ما يهدد بانهيار المؤسسة العسكرية من الداخل.

دبلوماسياً، توترت العلاقات بين مالي والجزائر خلال الفترة الأخيرة، كما تصاعدت الخلافات مع موريتانيا على الحدود المشتركة، حيث أوقفت قوات البلدين مواطنين بتهم “التعاطف مع الطرف الآخر”، مما ينذر بمخاطر على الأقليات العرقية.

وفي السياق الإقليمي، واصل تنظيم JNIM تمدده غرباً باتجاه موريتانيا والسنغال، ما دفع الجيش الموريتاني إلى إعلان حالة تأهب قصوى داخلية. وقد زار وزير الدفاع الموريتاني وعدد من كبار الضباط شرق البلاد منذ أسابيع، لمتابعة استعدادات القوات ومراقبة الوضع الأمني المتوتر في الجارة مالي.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار