يتعامل الغرب مع منطقة شمال إفريقيا بأكملها كما لو كانت دولة واحدة ويطلقون عليها إسم المنطقة المغاربية. هذا هو الخطأ الأول والرئيسي، فعندما نتحدث عن الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية، فإننا نتحدث عن الدولة الأكثر تعدادًا من حيث السكان والأكبر والأغنى في إفريقيا بإمتداد إقليمي يبلغ 2 381741 كيلومتر مربع. هذا الامتداد يعادل أكبر أربع دول أوروبية مجتمعة من حيث المساحة هي إسبانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى 21 دولة من العالم.
الجزائر، هو الإسم الرسمي للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بلد يقع في شمال إفريقيا يحده البحر الأبيض المتوسط من الشمال ومالي والنيجر من الجنوب وتونس وليبيا من الشرق والمغرب والجمهورية الصحراوية من الغرب وفي الجنوب الغربي موريتانيا ومالي.
إذا ركزنا مثلاً على بلدان الجنوب من القارة العجوز ، نلاحظ أن إسبانيا، الشريك التجاري الجزائري الرئيسي، تستورد من الصادرات والواردات ما يعادل 59٪ من الغاز الطبيعي. أما إيطاليا والبرتغال وفرنسا، يمثل الغاز الجزائري أيضًا حصة مهمة جدًا: 16٪ و 15٪ و 9.4٪ على التوالي.
الغاز والنفط في الجزائر هم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها أقتصاد البلاد منذ إستقلالها في عام 1962 وهي عضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط منذ عام 1969 (أوبيك) مثل العديد من البلدان الأفريقية الأخرى الغنية بالموارد الطبيعية.
هذا المورد الهام يقودنا للحديث عن الأزمة المفتوحة بين المغرب والجزائر التي أدت إلى إغلاق أنابيب إمدادات الغاز الرئيسية إلى إسبانيا التي كانت تمر عبر الأراضي المغربية، الأكتفاء بخط أنبرب جديد “ميدغاز”. ستتم زيادة نسبة تدفقه كي يلبى طلبات السوق الأوروبية بحلول شهر ديسمبر المقبل.
أما في مجال التعاون، لم تترك الجزائر في
منطقتها أي من البلدان الضعيفة، فكما تبرعت لموريتانيا وليبيا والنيجر وتونس والجمهورية الصحراوية، تصدر الجزائر موارد الطاقة لأوروبا بأكثر من 30٪ من الإجمالي في عام 2020 فقط، وبلغت اليوم بنسب عالية في إقتصاد العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا.منذ توليه رئاسة البلاد، لا يمر يوم دون أن يعقد رئيس البلاد، عبد المجيد تبون، لقائات مع ممثلي المجتمع المدني والإدارة، من أجل تطبيق التوجيهات الرئاسية لمواجهة وباء كورونا، إرضاء مظالم السكان، تشجيع القوى الحيوية للأمة لإعادة النهوض بالاقتصاد الوطني المتنوع، وجعلها الحل القادر على إعادة إطلاق جهاز إنتاجي جديد للثروة التي تلبي إحتياجات السوق الوطنية مقابل الحد بشكل كبير من إستيراد المنتجات التي يمكن للجزائر أن تنتجها بنفسها.
في عام 2019 وحده ، أنفقت الدولة 2.7 مليار دولار على مشترياتها، فمنذ توليه السلطة، بدأ عبد المجيد تبون القضاء بنتائج واعدة على شراء المنتجات الخارجية التي يمكن للدولة إنتاجها. وفقًا لوكالة “Ecofin” يتواصل العدد التنازلي في واردات الحبوب وتسارع “في الشهرين الأولين من عام 2020، فقد بلغت قيمة مشتريات القمح والسميدة والدقيق حوالي 398 مليون دولار، أقل بنسبة 8.5٪ عن العام السابق (435.8 مليون دولار).
جزائر قوية ذات سيادة في قراراتها، تحظى بإحترام على الساحة الدولية.
على الرغم من التحديات الهائلة التي تواجه الجزائر، والتي وجدها أمامه الضيف الجديد لقصر المرادية، فإن البلاد، التي لا تزال قائمة، ترى أفقها يتضح بفضل الموقف الذي إتخذه “النوفمبريون” (في إشارة إلى ثورة نوفمبر) منذ قدومهم. فكما تم الإعتراف بذالك في عدة مناسبات، يسعى الرئيس عبد المجيد تبون لإحياء الإرتباط بالعقدين الأولين من الاستقلال، تلك السنوات البطولية التي بنت دولة الجزائر القوية ذات السيادة و الوزن السياسي في العالم.
هذا الإلتزام الذي تشبثت به الجمهورية الجديدة الموحدة، مستوحى من أسس 1 نوفمبر، تُرجم بتنفيذ المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لـ “الحراك المبارك” (وفق تعبير الرئيس نفسه) وأحبط زعزعة الاستقرار ومحاولات بعض القوى الأجنبية التي تلاعبت بأكثر التيارات داخل الحراك.
العودة إلى مبدأ مؤتمر باندونغ.
منذ إنتخابه، حدد عبد المجيد بوضوح الخطوط الرئيسية لسياسته الخارجية، وهي سياسة نابعة من حرب التحرير الوطني وثورة الفاتح نوفمبر، فعندما شارك وفد من جبهة التحرير الوطني في مؤتمر باندونغ في عام 1955 الذي ركز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، وبناء النظام السياسي والاقتصادي العالمي الجديد ، وحق الشعوب في تقرير المصير ، ودعم الشعوب المستعمَرة … إلخ
و قد قدم مؤتمر برلين حول الصراع في ليبيا في يناير الماضي منبرًا عالميًا للجزائر جعل الرئيس الجديد من خلاله صوت بلاده مسموعا، وأعاد التأكيد على ما قاله دائمًا، وهو أن الليبيين فقط – كل الليبيين- هم من عليهم أن يحددوا مصيرهم بمساعدة الدول المجاورة، وأصر أمام باقي ألأطراف المشاركة في المؤتمر على أن إستخدام السلاح لن يحل أي شيء، وهذا أثبت صحة موقف الجزائر بعد التطور الإيجابية للوضع على الأرض.
لقد كانت رؤية الجزائر تجاه ليبيا موفقة إلى حد كبير وحظيت بموافقة الأطراف الليبية المعنية، وهو ما ثبت خلال إتصال رئيس حكومة الاتحاد الوطني السابق فايز السراج بالرئيس عبد المجيد تبون أولًا دون غيره لإبلاغه بقراره الإستقالة من منصبه لتمهيد الطريق لحل تفاوضي للأزمة، وفق “موقع CF”، أول من كشف عن هذه المعلومات الحصرية، نقلا عن مصدر مقرب من الرئاسة الجزائرية.
منذ ظهور الموقف الجزائري الحازم تجاه الأزمة في ليبيا، بدأت إشارات أخرى من الأطراف الليبية تعكس الثقة بين البلدين الشقيقين، كمثال خطوة رئيس حكومة طرابلس، الذي يود بلا شك التحرر من التحالف القوي مع تركيا، تقديم طلب مباشر من الرئيس عبد المجيد تبون المساعدة لإصلاح محطة الكهرباء الرئيسية في ليبيا، حيث لم يتأخر تبون في الإستجابة وقام بإرسال فرق من المهندسين والفنيين من سونلغاز إلى طرابلس لإعادة تشغيل هذا المصنع عكس تماما سياسة الإمارات العربية المتحدة وتركيا اللتين لا ترسلان إلا السلاح والمرتزقة، في انتهاك للقانون الدولي لإشعال النار في ليبيا.
في مقابل الدعم الموجه إلى ليبيا لتخفيف من معاناة شعبها وحتى لا يظل رهينة للميلشيات، يحافظ الرئيس عبد المجيد تبون على إتصالات مماثلة ليس فقط مع الأطراف الليبية الأخرى، ولكن أيضًا مع لاعبين إقليميين ودوليين مهمين مثل مصر وتركيا والاتحاد الأفريقي والإمارات العربية المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وعلى الرغم من كل هذه التحديات، تعمل الدبلوماسية الجزائرية في نفس الوقت على الجبهة المالية (جمهورية مالي) التي لا تنفصل عن الجبهة الليبية في سياسة البلاد الخارجية والأمنية، فقد أرسل الرئيس تبون وزير خارجيته رمضان لعمامرة مرفوق بوفد من كبار الدبلوماسيين إلى باماكو أربع مرات في غضون أسابيع قليلة من أجل تفعيل خطة السلام والمصالحة الجزائرية، بناءً على طلب جميع الأطراف في مالي، بما في ذلك المجلس العسكري الجديد وحتى من فرنسا، الغارقة في رمال الساحل المتحركة، التي تأكدت من حاجتها الماسة للمساعدة الجزائرية.