back to top
21 أكتوبر 2025

الخطة التي لم تسوق لكنها كانت الحل: مقترح جبهة البوليساريو لعام 2007 بين الصمت الدولي والجهل المتواطئ

تابع القراءة

 – إفتتاحية | أحمد عمار


لم يكن مقترح جبهة البوليساريو المقدم إلى مجلس الأمن في السادس عشر من أبريل عام 2007 مجرد وثيقة سياسية عابرة، بل كان نموذجا متكاملا للحل العادل والمستدام لقضية  الصحراء الغربية، يبنى على الشرعية الدولية والمنطق السياسي معا. و بالرغم من ذلك، لم يكتب له أن يعرف، لا لأنه ضعيف أو غير واقعي، بل لأنه لم يأت من “الطرف المناسب” في نظر القوى المؤثرة.

النزاع في الصحراء الغربية يهدد بإشعال حرب «شاملة» إذا فشلت وساطة الأمم المتحدة

في عالم تحكمه معادلات النفوذ، لا الأفكار، يصبح صاحب الفكرة أهم من الفكرة نفسها، و لا تقاس المصداقية بمضمون المقترح، بل بموقع من يقدمه على خريطة المصالح.

فبينما امتلكت الرباط ماكينة دبلوماسية وإعلامية ضخمة أحسنت “تسويق” مبادرتها المسماة بخطة الحكم الذاتي، قدمت جبهة البوليساريو مقترحها بلغة القانون الدولي وبعقل الدولة، لا بمنطق الحملات. لم يكن لديها مستشارون غربيون ولا فرق علاقات عامة أو مراكز ضغط تروج لموقفها في العواصم. كانت الفكرة وحدها، تقف أمام منظومة دولية تتعامل مع ميزان القوى كما لو كان ميزان عدالة.

الأكثر إدهاشا أن معظم العواصم الغربية التي سارعت إلى إعلان دعمها للمقترح المغربي، لم تكن على دراية بمحتواه، وبعضها طلب لاحقا “توضيحات إضافية” بشأن تفاصيله بعد أن تبنته رسميا باعتباره “الأكثر جدية ومصداقية”. كيف يمكن لدولة مسؤولة أن تدعم مبادرة سياسية وهي تجهل مضمونها؟ الجواب بسيط ومؤلم: في النظام الدولي، لا يكافأ من يلتزم بالشرعية، بل من يخدم المعادلات. دعم الفكرة لم يكن عن اقتناع بها، بل عن هوى في صاحبها.

مشاورات محمومة تقودها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا على مستوى الأمم المتحدة لفرض الإحتلال المغربي للصحراء الغربية بشكل نهائي

على النقيض من ذلك، جاء مقترح جبهة البوليساريو مؤسسا على ثلاث ركائز واضحة: الشرعية الدولية، الواقعية السياسية، وضمان الاستقرار الإقليمي. فالوثيقة التي قدمت للأمم المتحدة عبر جنوب إفريقيا أعادت تأكيد حقيقة يعرفها الجميع ويتجنب كثيرون التصريح بها: الصحراء الغربية إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي يخضع لعملية تصفية استعمار، وأن المغرب قوة احتلال لا تمتلك صفة “القوة المديرة” بحكم القانون الدولي. ومن هذا المنطلق، دعت الجبهة إلى تنظيم استفتاء حر ونزيه لتقرير المصير، يشمل كل الخيارات: الاستقلال، الاندماج أو الحكم الذاتي، تحت إشراف الأمم المتحدة.

لكن قوة المقترح لا تقف عند الإطار القانوني؛ بل تمتد إلى تصوره العملي البرغماتي لما بعد الحل. فقد عرضت البوليساريو شبكة ضمانات متكاملة للمغرب وللمواطنين المغاربة المقيمين في الإقليم: احترام متبادل للسيادة والحدود، شراكات اقتصادية متوازنة، استغلال مشترك للموارد، مشاركة سياسية كاملة، وتعاون أمني ثنائي ومتعدد الأطراف لضمان أمن المنطقة. هذه ليست شعارات أيديولوجية، بل برنامج لإعادة بناء الثقة وتحويل النزاع إلى شراكة إقليمية عقلانية.

بالمقابل، اكتفى المقترح المغربي بلغة عامة تكرس السيطرة القائمة تحت مسمى “الحكم الذاتي”، دون مرجعية قانونية أو ضمانات لحقوق الشعب الصحراوي. وما يسمى “واقعية سياسية” في نظر مؤيديه ليس إلا محاولة لتجميل الاحتلال بلغة إدارية.

إن ما يجعل مقترح البوليساريو أكثر جدارة اليوم ليس فقط احترامه للقانون الدولي، بل أيضا قابليته التطبيقية. فهو يقدم معادلة “رابح – رابح”: للشعب الصحراوي حقه غير القابل للتصرف، وللمغرب مصلحة في الاستقرار والتعاون المشروع، وللمنطقة فرصة لإطلاق مشروع مغاربي حقيقي يقوم على الاحترام المتبادل بدل الهيمنة.

لقد أثبتت التجربة أن الإنكار لا يصنع الاستقرار، وأن الخطط التي تبنى على التعتيم والمجاملة السياسية لا تنهي نزاعات، بل تجمدها. مقترح جبهة البوليساريو لعام 2007 هو الوثيقة التي لم تسوق لكنها كانت قادرة على أن تغني المنطقة عن عقود من الجمود.

في النهاية، يبقى السؤال: هل يقاس الحل بمن يقدمه أم بما يقدمه؟

حتى يعاد ترتيب هذا المعيار، سيظل العالم يحتفي بالمحتل لأنه “ذو منفعة لبعض الجهات”، ويتجاهل صاحب الحق، رغم أن القانون – في جوهره – لا يعرف إلا ميزانا واحدا: ميزان الحقيقة.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار