back to top
24 أكتوبر 2025

الأزمة الحاصلة في هيكل مجلس الأمن تدفع نحو تعقيد الحل السلمي في الصحراء الغربية

تابع القراءة

✍️ عالي براهيم محمد


نيويورك (ECS).— على غير العادة، يشهد مجلس الأمن الدولي منذ منتصف أكتوبر الجاري، مشاورات محتدمة بين الأعضاء المؤثرين داخل هذه الهيئة الأممية من أجل الخروج بتوافق حول مسودة القرار بشان الصحراء الغربية التي من المنتظر تقديمها نهاية هذا الشهر للمصادقة عليها في جلسة علينة سترأسها روسيا الإتحادية، أحد الأطراف التي تعارض بشكل شديد صغير المشروع (صفر) الذي أعدته واشنطن بتعاون مع باريس لندن، يحتوي على فقرات جديدة لا تستجيب لشرط الحياد المطلوب من جهة، وتتعارض مع القانون الدولي والقرارات السابقة من جهة أخرى، وهو ما من شأنه خلق تغيير جذري في مسار هذه القضية وإفراغها من جوهرها الأساسي المتمثل في حق تقرير المصير.

الخطة التي لم تسوق لكنها كانت الحل: مقترح جبهة البوليساريو لعام 2007 بين الصمت الدولي والجهل المتواطئ

ترى روسيا الإتحادية التي تقف في وجه واشنطن، بأن الحياد واجب وعلى أن مجلس الأمن مُطالب بالإلتزام بالشرعية الدولية فيما يخص صيغة الحل النهائي لهذا النزاع، وضرورة التوافق على طبيعته (الحل) من لدن كل الأطراف، كيفما كانت صيغته، وبأن يتم ذلك في إطار مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، وليس بالإجراءات الأحادية الجانب، التي ستكون لها عواقب عكسية على السلم والأمن، وعلى دور هذه الهيئة الأممية وحل النزاعات بصورة سلمية وفقا للقانون والشرعية الدوليين، بهذا تكون موسكو قد وقفت على نفس المسافة مع الطرفين، ما يجعلها اليوم أكثر من أي وقت مضى البلد الوحيد في المجلس القادر على قيادة الوساطة نحو الحل السلمي وحفظ ماء وجه مجلس الأمن الدولي الذي بدأ يخرج عن مسار عمله في حل النزاعات سلمياً حفاظ وفق القانون الدولي حفاظا على السلم والأمن الدوليين.

في ضوء هذه التطورات المتسارعة وغير المسبوقة على مستوى مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء الغربية، وغياب إتفاق حول -المشروع صفر- يبقى من المرجح مع إقتراب موعد جلسة الحسم، أن تقبل واشنطن بإجراء بعض الـتعديلات الإضافية على الوثيقة التي قدمتها للمشاورات، ما يعني إعتماد على منطق أخذ العصى من الوسط بين -تقرير المصير والحكم الذاتي- وجعل القرار متوازن ووسطي، بمعنى آخر، -قرار ذو وجهين-، يسمح لكلا الطرفين بإسقاط قراءة تدعم موقفه على شاكلة الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 1975. بذلك يكون بذلك المجلس قد تفادى التصعيد المحتمل وأعطى مزيد من الوقت للجهود السياسية التي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة من خلاله مبعوثه الشخصي.

هذا النهج المتوازن والمطلوب من الهيئة الأممية، سبق لوزير خارجية روسيا الإتحادية، سيرغي لاڤروف، أن تحدث عنه خلال ندوة صحفية بموسكو في 13 اكتوبر الجاري، قائلاً “أن بلاده، فيما يخص قضية الصحراء الغربية، فهي كما كانت في السابق ستظل تؤيد الشرعية الدولية والقرارات السابقة التي تضمن حق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، كما تعتبر من جهة أن المقترح المغربي للحكم الذاتي قابلاً للنقاش والتطبيق شرط أن يحظى بموافقة الأطراف، في مفاوضات وفي إطار الأمم المتحدة فقط” بهذا يمكن القول أن موسكو كانت سبَّاقة وبعثت رسالة إلى واشنطن للتهيئة لموقف متوازن، يسمح بخلق مناخ هادئ وإيجابي لنقاش القضية المعروضة على مستوى هذا المجلس، ومنه تفادي تفاقم الخلاف العميق في المشاورات الذي بات بدوره يعكس حقيقة حجم الأزمة بين الدول المؤثرة في هذه الهيئة وتأثير ذلك على التوافق المطلوب وإحترام القانون الدولي، بسبب الأساليب المعتمدة من قبل واشنطن في السنوات الأخيرة بشأن القرارات المتعلقة بالقضية الصحراوية.

إن واشنطن ورغم الصورة النمطية التي تحاول إظهارها للعالم كمتحكم في زمام السياسة الدولية وربان سفينة التحولات الجيوسياسية في القارات الخمس، إلا أن منسوب القلق بدأ في تزايد خشية لعب روسيا ورقة الڤيتو ضد مشروع القرار حول الصحراء الغربية، أخذاً في الإعتبار أن القضية مدرجة في الفصل السادس المتعلق بحل النزاعات حلا سلميا وبالتالي لا تمثل تهديداً للسلم أو تُخل به أو ناتج عن عدوان. يأتي ترجيح كفة إستخدام ورقة الڤيتو، كما سبق وأن صرحت بذلك موسكو في مناسبة سابقة، رفضها الصريح والقاطع للإجراءات الأمريكية الأحادية من جهة، وللأسلوب المُتبع في تحضير المسودة وإدخال تعديلات على القرار دون الرجوع وموافقة باقي الأعضاء الدائمين، من جهة أخرى. كما يمكن أيضا ولكن بإحتمالية ضئيلة أن تقود موسكو والجزائر جهوداً دبلوماسية مشتركة لإقناع الدول الأخرى بعدم التصويت لصالح مشروع القرار، بالتالي غياب النصاب القانوني للأصوات الـ9 من أصل 15، دون اللجوء للڤيتو، وبهذا الإبقاء على الوضع الراهن مؤقتا، ولإقناع واشنطن بالعدول على التعديلات الجديدة التي تقوض عمل بعثة المينورسو وتمس من صورة ومصداقية المجلس وأعضاءه الدائمين.

التحوّلات الجيوسياسية في إفريقيا أثبتت أن المغرب نظام وظيفي حاضن للمصالح الغربية

ضرورة إيجاد الحل النهائي، التوافق الوحيد بين كل الأطراف. 

على الرغم من الخلاف الحاصل في المواقف حول صيغة الحل، إلا أن الطرفين جبهة البوليساريو والمغرب والأطراف الأخرى المرتبطة بالنزاع، تُجمع على أن الوقت قد حان للخروج من أزمة اللاحل في الصحراء الغربية، لما لها من تداعيات قد تعصف بسلم وإستقرار المنطقة في المستقبل القريب. وكانت جبهة البوليساريو لتأكيد رغبتها في تجاوز هذا الوضع، قدمت مقترحها الموسع لحل يضمن تقرير المصير شعب الصحراء الغربية والسلم الإقليميين، وهي خطوة إلى الأمام وفي الإتجاه الصحيح لتصريف الضغط الدولي وتقديم تنازلات لا تتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بحق الصحراويين في تحديد مستقبلهم بإرادتهم بكل حرية، والإلتزام بالقانون الدولي وقرارات الأممية. في مقابل ذلك ركز الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي من جانبهم على أهمية ودور المجلس في دعم الجهود المبذولة للمضي قُدما في العملية السياسية والمفاوضات الجادة لتفادي التصعيد وربط الوضع على الأرض في الصحراء الغربية بجاورها القريب منطقة الساحل وما تعيشه من تدهور أمني. هذه التحذيرات يمكن قراءتها كنوع من الرغبة في حشد مزيد من الدعم لخطته (الجديدة-القديمة) من خلال الضغط على أصحاب المقاعد الـ5 في المجلس، لتحمل جزء من المسؤولية تجاه الحفاظ على السلم والإستقرار في تلك المنطقة، لضمان مصالحهم الحالية والمستقبلية في وجه التطورات الميدانية التي قد يحدثها أي تغيير لمسار القضية داخل المجلس.

في الجانب الآخر، الجزائر، بإعتبارها اللاعب المحوري والاستراتيجي فيما يخص مستقبل المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا، لديها موقف واضح في هذا الصدد، نعم للشرعية والقانون الدوليين ولا حل فوق رغبة الشعب الصحراوي. وما يجعل الموقف الجزائري موضع إهتمام من قبل القوى المؤثرة، هي أهمية هذا البلد كشريك قوي ومتكامل في المنطقة الوحيد الذي يجمع بين القوة العسكرية في مواجهة التهديدات الأمنية ولإستتباب الأمن والتقدم على المستوى الإقتصادي بالنظر إلى الموارد الطبيعية و الإنفتاح على الجميع، ما يجعله محط إهتمام الغرب ومحور المنطقة المغاربية وشمال القارة.

على مستوى أوروبا حيث يكمن الخلل الحقيقي الذي عمق الأزمة في الصحراء الغربية على مدار خمسون عاماً الماضية، بسبب عُقدة الماضي التي ماتزال تلازم القوى المؤثرة التي تقود السياسة الخارجية للقارة العجوز خلف تحالفهم (مجلس الإتحاد الأوروبي وسلطته التنفيذية)، تلك المواقف المتشددة التي لم تمكن يوما وفاءًا للعلاقات “التاريخية” مع قوة الإحتلال المملكة المغربية أو المصالح الإقتصادية فحسب، مثلما يروجون ويُريدون منا أن نقتنع بذلك. فلا يمكن لتلك الخطابات ان تمحور تاريخ الصراع بين فرنسا والصحراويين الذي بدأت شرارته في تيجكجة سنة 1905 وإستمر إلى العام 1933، وفق مذكرات الرائد الفرنسي جوزيف گورو قبل التنسيق أو التحالف العسكري الإسباني-الفرنسي سنة ضد المقاومة الصحراويين الذي بدأ في العام 1934 وإستمر لاحقاً على المستوى السياسي إلى عصرنا الحالي.

المصالح الاقتصادية كغطاء لعقدة الماضي، تُستخدم اليوم من لدن باريس ولندن كورقة ضغط جديدة على مستوى مجلس الأمن الدولي ضد جبهة البوليساريو للمقايضة نيابةً عن باقي الدول الأخرى المستفيدة من اتفاقيات الشراكة الأوروبية-المغربية التي تشمل الصحراء الغربية بصورة غير قانونية، غايتهم في ذلك دفع ممثل الشعب الصحراوي إلى التخلي عن معركته القانونية ضد هذه الأطراف أمام محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي، كشرط لإبقاء الوضع في الصحراء الغربية على ماهو عليه أو الدفع نحو التحول الجذري لقرارات مجلس الأمن بشأن طبيعة النزاع ومعه المركز القانوني للإقليم وحق تقرير المصير التي شكلت جوهر مداولات المحكمة والقاعدة الأساسية التي بنى عليها القضاة الأحكام التاريخية في 21 ديسمبر 2016 و 27 فبراير 2018 ثم 4 أكتوبر 2024.

على ضوء كل هذه التجاذبات وتضارب المصالح الإقتصادية والجيوسياسية التي باتت تحكم مواقف الدول والمنظمات، بعد أن بلغ مداها التأثير والتغيير الجذري للقرارات الصادرة عن الهيئات الأممية على غرار مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية، يجب أن تشكل بداية فعلية لرحلة الوعي الوطني نحو الغاية الأصلية، التي تُشرعن لنا إعتبار أي قرار يتنكر لحقنا في تقرير المصير والوجود ويقفز على سيادتنا على أرضنا، بأنه -قرار- غير فعال بل ومواجهته بالتجاهل والرفض شأننا في ذلك شأن الآخرين ممن سبقونا، بما في ذلك دولة الإحتلال المغربي التي مضت على مدار ثلاثة عقود ونيف ترفض الإستجابة لقرار مجلس الأمن 690 (1991) الذي تم بموجبه نشر بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو).

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار