✍️ عالي براهيم محمد
نيويورك (ECS).— على غير العادة، يشهد مجلس الأمن الدولي منذ منتصف أكتوبر الجاري، مشاورات محتدمة بين الأعضاء المؤثرين داخل هذه الهيئة الأممية من أجل الخروج بتوافق حول مسودة القرار بشان الصحراء الغربية التي من المنتظر تقديمها نهاية هذا الشهر للمصادقة عليها في جلسة علينة سترأسها روسيا الإتحادية، أحد الأطراف التي تعارض بشكل شديد صغير المشروع (صفر) الذي أعدته واشنطن بتعاون مع باريس لندن، يحتوي على فقرات جديدة لا تستجيب لشرط الحياد المطلوب من جهة، وتتعارض مع القانون الدولي والقرارات السابقة من جهة أخرى، وهو ما من شأنه خلق تغيير جذري في مسار هذه القضية وإفراغها من جوهرها الأساسي المتمثل في حق تقرير المصير.
ترى روسيا الإتحادية التي تقف في وجه واشنطن، بأن الحياد واجب وعلى أن مجلس الأمن مُطالب بالإلتزام بالشرعية الدولية فيما يخص صيغة الحل النهائي لهذا النزاع، وضرورة التوافق على طبيعته (الحل) من لدن كل الأطراف، كيفما كانت صيغته، وبأن يتم ذلك في إطار مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، وليس بالإجراءات الأحادية الجانب، التي ستكون لها عواقب عكسية على السلم والأمن، وعلى دور هذه الهيئة الأممية وحل النزاعات بصورة سلمية وفقا للقانون والشرعية الدوليين، بهذا تكون موسكو قد وقفت على نفس المسافة مع الطرفين، ما يجعلها اليوم أكثر من أي وقت مضى البلد الوحيد في المجلس القادر على قيادة الوساطة نحو الحل السلمي وحفظ ماء وجه مجلس الأمن الدولي الذي بدأ يخرج عن مسار عمله في حل النزاعات سلمياً حفاظ وفق القانون الدولي حفاظا على السلم والأمن الدوليين.
في ضوء هذه التطورات المتسارعة وغير المسبوقة على مستوى مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء الغربية، وغياب إتفاق حول -المشروع صفر- يبقى من المرجح مع إقتراب موعد جلسة الحسم، أن تقبل واشنطن بإجراء بعض الـتعديلات الإضافية على الوثيقة التي قدمتها للمشاورات، ما يعني إعتماد على منطق أخذ العصى من الوسط بين -تقرير المصير والحكم الذاتي- وجعل القرار متوازن ووسطي، بمعنى آخر، -قرار ذو وجهين-، يسمح لكلا الطرفين بإسقاط قراءة تدعم موقفه على شاكلة الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 1975. بذلك يكون بذلك المجلس قد تفادى التصعيد المحتمل وأعطى مزيد من الوقت للجهود السياسية التي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة من خلاله مبعوثه الشخصي.
هذا النهج المتوازن والمطلوب من الهيئة الأممية، سبق لوزير خارجية روسيا الإتحادية، سيرغي لاڤروف، أن تحدث عنه خلال ندوة صحفية بموسكو في 13 اكتوبر الجاري، قائلاً “أن بلاده، فيما يخص قضية الصحراء الغربية، فهي كما كانت في السابق ستظل تؤيد الشرعية الدولية والقرارات السابقة التي تضمن حق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، كما تعتبر من جهة أن المقترح المغربي للحكم الذاتي قابلاً للنقاش والتطبيق شرط أن يحظى بموافقة الأطراف، في مفاوضات وفي إطار الأمم المتحدة فقط” بهذا يمكن القول أن موسكو كانت سبَّاقة وبعثت رسالة إلى واشنطن للتهيئة لموقف متوازن، يسمح بخلق مناخ هادئ وإيجابي لنقاش القضية المعروضة على مستوى هذا المجلس، ومنه تفادي تفاقم الخلاف العميق في المشاورات الذي بات بدوره يعكس حقيقة حجم الأزمة بين الدول المؤثرة في هذه الهيئة وتأثير ذلك على التوافق المطلوب وإحترام القانون الدولي، بسبب الأساليب المعتمدة من قبل واشنطن في السنوات الأخيرة بشأن القرارات المتعلقة بالقضية الصحراوية.
إن واشنطن ورغم الصورة النمطية التي تحاول إظهارها للعالم كمتحكم في زمام السياسة الدولية وربان سفينة التحولات الجيوسياسية في القارات الخمس، إلا أن منسوب القلق بدأ في تزايد خشية لعب روسيا ورقة الڤيتو ضد مشروع القرار حول الصحراء الغربية، أخذاً في الإعتبار أن القضية مدرجة في الفصل السادس المتعلق بحل النزاعات حلا سلميا وبالتالي لا تمثل تهديداً للسلم أو تُخل به أو ناتج عن عدوان. يأتي ترجيح كفة إستخدام ورقة الڤيتو، كما سبق وأن صرحت بذلك موسكو في مناسبة سابقة، رفضها الصريح والقاطع للإجراءات الأمريكية الأحادية من جهة، وللأسلوب المُتبع في تحضير المسودة وإدخال تعديلات على القرار دون الرجوع وموافقة باقي الأعضاء الدائمين، من جهة أخرى. كما يمكن أيضا ولكن بإحتمالية ضئيلة أن تقود موسكو والجزائر جهوداً دبلوماسية مشتركة لإقناع الدول الأخرى بعدم التصويت لصالح مشروع القرار، بالتالي غياب النصاب القانوني للأصوات الـ9 من أصل 15، دون اللجوء للڤيتو، وبهذا الإبقاء على الوضع الراهن مؤقتا، ولإقناع واشنطن بالعدول على التعديلات الجديدة التي تقوض عمل بعثة المينورسو وتمس من صورة ومصداقية المجلس وأعضاءه الدائمين.
التحوّلات الجيوسياسية في إفريقيا أثبتت أن المغرب نظام وظيفي حاضن للمصالح الغربية