back to top
22 أكتوبر 2025

التحوّلات الجيوسياسية في إفريقيا أثبتت أن المغرب نظام وظيفي حاضن للمصالح الغربية

تابع القراءة

● تراهنُ جبهة البوليساريو على التحوّلات الجيوسياسية، في وقتٍ يتراجع فيه نفوذ القوى الغربية بشكلٍ واضحٍ داخل القارّة الإفريقية.

● فمنذ زمنٍ بعيدٍ يعاني الشعب الصحراوي من إهمال المنتظم الدولي (الغربي)، ومن سلوكٍ التواطؤ إزاء الانتهاكات التي تمارسها القوّة القائمة بالاحتلال (المغرب) منذ عقود.


لقد أكّد القضاء الأوروبي في مناسباتٍ متكرّرة أن الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية هي ملكٌ حصري للشعب الصحراوي، صاحب الحق في تقرير مصيره. ومن الجدير التذكير بأنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قراريها رقم 48/46 الصادر في 10 كانون الأول/ديسمبر 1992، و 49/40 الصادر في 9 كانون الأول/ديسمبر 1994، شدّدت على أن نهب واستغلال الموارد الطبيعية في الأقاليم غير المحكومة ذاتيا يشكّل تهديداً لسلامة تلك الأقاليم وازدهارها. كما اعتبرت أن ما يجري في الصحراء الغربية يمثل انتهاكاً خطيراً للالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

أما الأساس القانوني لهذه المسألة، فيتمثّل في القرار 46/64 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي ينظّم مبدأ سيادة الشعوب المستعمَرة على مواردها الطبيعية. وقد أكّد القرار أن استغلال ونهب الموارد البحرية وسائر الموارد الطبيعية في الأقاليم المستعمَرة أو غير المحكومة ذاتيا من قبل مصالح اقتصادية أجنبية، يُعدّ تهديداً خطيراً لسلامة تلك الأقاليم وازدهارها.

و في الوقت الذي يكافح فيه الشعب الصحراوي بالصمود في مخيمات اللاجئين وفي المناطق المحرّرة، و جزء آخر من كمواطنين من الدرجة الثانية في المناطق المحتلة، تُنهَب ثروات وطنهم من قبل القوّة المحتلة، في ظلّ تواطؤٍ واضح من “فرسان” الديمقراطية في الغرب؛ الولايات المتحدة و فرنسا و إسبانيا.

حالة الحرب و الوضع الراهن 

في شهر نوفمبر من عام 2020، وبعد أن انتهكت القوات المغربية اتفاق وقف إطلاق النار من خلال تفكيكها لاعتصام منطقة الكركرات خلف جدار العار بالقوّة العسكرية، اندلعت مجدداً الأعمال القتالية، وقد أقرّت الأمانة العامة للأمم المتحدة نفسها باندلاعها. منذ ذلك الحين تقتصر العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الصحراوية على هجمات محدودة النطاق، تشمل تبادل القصف المدفعي، وضرباتٍ تنفذها وحدات متحرّكة و خفيفة، ونيراناً بقذائف الهاون. وقد سمحَت حالة التعبئة العامة التي أعلنتها جبهة البوليساريو بتوحيد الشعب و الإلتفاف حول قضية وطنية مشتركة.

جاء ردّ الرباط أيضاً محدوداً، لتجنّب التصعيد مع جبهة البوليساريو ومع الجزائر و موريتانيا. وقد أدّت الحرب في أوكرانيا إلى دفع دولٍ أوروبية نحو التقارب مع الحكومة الجزائرية من أجل البحث عن مصادر بديلة للطاقة، الأمر الذي عزّز مكانة الجزائر في شمال إفريقيا كعاملٍ من عوامل الاستقرار. فاندلاع حربٍ مفتوحةٍ بين المغرب والجزائر سيضرّ حتماً بالمصالح الغربية في المنطقة.

بهذا التحول، بدأ المغرب يراهن على تصعيد النزاع، خصوصاً من أجل دفع موريتانيا إلى التراجع عن دعمها غير الرسمي للجمهورية الصحراوية. ولهذا السبب، يشنّ الجيش المغربي، بواسطة الطائرات المسيّرة، هجماتٍ متكرّرة على أهدافٍ مدنيةٍ أودت بحياة جزائريين وموريتانيين. ومع ذلك، فإن احتمالات انزلاق الوضع نحو حربٍ شاملةٍ بهذا التكتيك تبقى مستبعدة في الوقت الراهن.

التحوّلات الجيوسياسية في إفريقيا أثبتت أن المغرب نظام وظيفي حاضن لمصالح غربية في تراجع كبير أمام المد الروسي و الصيني 

لقد وصلت التحوّلات الجيوسياسية إلى إفريقيا، وأصبح المغرب حصناً للمصالح الغربية، المتمثلة في تأجيج الصراعات و دعم إحتلال الشعوب الأفريقية. أما الانقلابات العسكرية في كل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر، فقد أبعدت تلك الدول عن روابطها السابقة مع فرنسا، وإلى حدٍّ أقل مع الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، تلعب موريتانيا دوراً محورياً بسبب موقعها في النزاع الصحراوي. فهي، رغم حيادها، تسيطر فعلياً على بلدة “الكويرة”، بموافقةٍ من الجمهورية الصحراوية، بهدف إنشاء “حزامٍ أمني”. كما أن الممرّ غير القانوني في الكركرات يُعتبر نقطة جذبٍ جيوسياسيةٍ تهدف إلى إرضاخ موريتانيا و تثبيت تبعيتها الاقتصادية للمغرب. تدرك نواكشوط الوضع جيداً، فوجدت في الصين شريكاً مثالياً على المستويين الاقتصادي والعسكري، حيث زوّدتها بكين بمعداتٍ عسكريةٍ خاصةٍ لقواتها البحرية و الجوية،  بمستوى أقل. إن استمرار سيطرة الجمهورية الصحراوية على المناطق المحرّرة يرتبط ارتباطاً مباشراً بأمن موريتانيا، التي تسعى إلى إبقاء المغرب بعيداً عن حدودها، في ظلّ الطابع التوسّعي الواضح للسياسة المغربية.

أما الجزائر، فهي الداعم الرئيس للشعب الصحراوي. وتسعى حكومتها إلى إنشاء مركزٍ صناعيٍّ وتعدينيٍّ متكامل، يضم شبكة سككٍ حديديةٍ قد تتصل بالموانئ الواقعة على البحر الأبيض المتوسط. وقد تولّى تنفيذ هذه المشاريع في منطقة “غار جبيلات” ائتلافٌ صينيٌّ يضم شركاتٍ مثل China International Water & Electric وHeyday Solar وMetallurgical of China، إلى جانب الشركة الوطنية الجزائرية Feraal.

تحتاج الجمهورية الصحراوية إلى دعمٍ متواصلٍ من فاعلين رئيسيين هما موريتانيا والجزائر، إذ يوفّران لها ما يُعرف بـ”العمق الاستراتيجي”. ومن المحتمل أن تراهن قيادة البوليساريو على التحوّلات الجيوسياسية التي تشهدها القارة، في ظلّ التراجع الواضح للقوى الغربية في إفريقيا.

لقد فتحت التغيّرات السياسية في منطقة الساحل الباب أمام تزايد النفوذ الروسي والصيني. وفي إطار مجموعة البريكس (BRICS)، التي تضمّ الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، تتّخذ الأخيرة موقفاً نقدياً صريحاً تجاه الاحتلال المغربي، وهو ما سمح خلال قمم هذه المنظمة بإصدار بيانات معتدلة، لكنها وضعت أزمة الصحراء الغربية على جدول أعمال المجموعة، وطالب أكثر من مرة بإيجاد حلٍّ للنزاع يقوم على إحترام القانون الدولي.

كما أن انضمام إثيوبيا إلى مجموعة البريكس يفتح آفاقاً جديدةً أمام القضية الصحراوية، إذ إن أديس أبابا تعترف بالجمهورية الصحراوية منذ عام 1979، وهما عضوان فاعلان في الاتحاد الإفريقي.

“ديمقراطية” الغرب و قضية الصحراء الغربية 

يتمسّك المغرب بالاحتلال لأسبابٍ عديدة، من بينها العامل الداخلي، إذ إنّ النزاع يبرّر القمع الداخلي ويغذّي النزعة القومية ويعزّز دور الملك، كما يُستخدم لصرف انتباه الرأي العام عن الفقر والفساد، إضافةً إلى أنّ نهب الثروات السمكية والمعدنية يمثّل مورداً رئيسياً لتمويل الاقتصاد المغربي. أما إسبانيا، فإنها تدعم الاحتلال بصورةٍ غير مباشرة، وهي تدرك تماماً أن خسارة الصحراء الغربية ستفتح الباب أمام نزاعاتٍ جديدةٍ حول جزر الكناري وسبتة ومليلية.

تحتاج الرباط إلى النزاعات الخارجية كصمام أمان أمام وضعٍ داخليٍّ غير مريح. وترتبط مصالح فرنسا والولايات المتحدة ارتباطاً وثيقاً بمصالح اقتصادية، فالمغرب يُعدّ من آخر الحلفاء للغرب في إفريقيا. ولذلك، فإن فقدان السيطرة على الصحراء الغربية سيؤثر مباشرةً على استقرار النظام المغربي وتوازناته الداخلية. ولهذه الأسباب السياسية نفسها، يرفض المغرب الاعتراف علناً بالاشتباكات العسكرية الجارية قرب جدار العار، مفضّلاً الحفاظ على موقفٍ دفاعي، وفي الساحة الدولية يسعى لفرض الاعتراف بالاحتلال واعتبار مشروع الحكم الذاتي الحلّ الوحيد الممكن.

> “الخيار الأمثل هو الاستمرار في الضغط العسكري، حتى لا يسقط نزاع الصحراء الغربية في غياهب النسيان.” والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ستستمرّ هذه الحالة؟

لم يلجأ الصحراويون إلى الإرهاب قطّ. فقد خاضت الجمهورية الصحراوية حربَ تحريرٍ لأكثر من عقدٍ بجيشٍ نظاميٍّ منظم. وفي المناطق المحتلة، ورغم عنف الاحتلال، ظلّت التحركات الصحراوية سلميةً على الدوام. إلا أنّ الردّ من طرف الغرب كان دائماً التجاهل، واستمرار عملية سلامٍ مجمّدةٍ منذ أكثر من عقدين.

و تلعب إسبانيا دوراً مركزياً في حلّ النزاع، لكنها تبقى رهينةً للضغوط المغربية المشبوهة، وكذلك للنفوذ الفرنسي، الحليف الوثيق للرباط. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى جاهدةً للحفاظ على ما تبقّى لها من حلفاء في إفريقيا، الذين باتوا يُعدّون على الأصابع. مصر، الحليف التاريخي لواشنطن، ما زالت تحتفظ بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها تتبنّى نهجاً أكثر استقلالية بعد انضمامها إلى مجموعة البريكس في أغسطس 2023.

فرنسا، التي تُعدّ الخاسر الأكبر، اضطُرّت إلى الانسحاب من منطقة الساحل و تم طردها من دول غرب أفريقيا، ليبقى التساؤل ¿إلى متى ستستطيع باريس الحفاظ على نفوذها الرمزي في دول مثل السنغال وساحل العاج وتوغو و الكاميرون وغيرها من بلدان “الفرنكوفونية الإفريقية”.

إنّ التنمية الاقتصادية المستقبلية في ولاية تندوف ستعزّز الطموح نحو قيام دولة في الصحراء الغربية موحّدة ومستقلة، كما تتقاطع مع مصلحة موريتانيا في إبقاء المغرب بعيداً عن حدودها.

إن نتائج الحرب في أوكرانيا وأحداث الشرق الأوسط ستنعكس حتماً على المشهد الدولي و الإقليمي. وقد أدركت دول شمال إفريقيا مكانتها في عالمٍ جديدٍ يتّجه نحو التعدّدية القطبية، وهو ما يفتح بصيص أملٍ خافتٍ لحلّ النزاع الصحراوي. وعلى الرباط أن تعي أنه لا يمكنها أن تبقى إلى الأبد معزولةً عن جيرانها، أو أن تستمر في لعب دورٍ يخدم سياسة “فرّق تَسُد” داخل الاتحاد الإفريقي، وهي سياسة تصبّ في مصلحة فرنسا بالدرجة الأولى.

في ظل كل هذا، يبقى المجتمع الدولي مدينٌ للشعب الصحراوي بعد عقودٍ من الإهمال والتواطؤ في نهب ثرواته وانتهاك حقوقه الإنسانية. وإنّ إعادة الأراضي المحتلة إلى الجمهورية الصحراوية ستكون بلا شكّ جزءاً من التعويض التاريخي الذي يَدين به الغرب للشعب الصحراوي منذ أكثر من خمسة عقود.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار