مدريد .-الجميع ينتظر و يتابع تسلسل الأحداث السريعة في منطقة أزواد؛ من الجزائر إلى باماكو و من باريس إلى موسكو و من نواكشوط إلى كيدال. هناك الكثير على المحك (كبرياء الطغمة الحاكمة في باماكو والمعابر الحدودية وقيمة فاغنر و الروس في منطقة الساحل، و مستقبل بقاء حركات أزواد ككيان سياسي) في بلدة يقل عدد سكانها عن 3000 نسمة واسمها يبدو وكأنه أكبر منها، كل العيون الآن تقع على تنزاواتن. و كما يقول المثل: “المصير يتقرر عادة في الأماكن الأقل إثارة”.
وسيشارك في عملية تنزاواتن الثانية مئات الجنود الماليين، ولكن أيضًا مجموعة فاغنر المرتبطة بالفيلق الأفريقي بكل ثقلها العسكري، حيث كانوا قد تمركزوا في كيدال في الأسابيع الأخيرة، و الجماعات المسلحة الطارقية المعروفة باسم حركات إنقاذ أزواد و مجموعة غاتيا. مستقبل غويتا ستقرره معركة تينزاواتن.
بعد هزيمتها النكراء في 27 يوليو الماضي، قررت مجموعة فاغنر الروسية، التي استأجر خدماتها القتالية الجيش المالي للسيطرة على مناطق أزواد الخمس (ميناكا، غاو، تمبكتو، كيدال وتاوديني)، شن عملية عسكرية انتقامية ضد مقاتلي الجيش الأزوادي. هذه المرة، إستقدمت فاغنر ثلاثة أضعاف عدد الجنود مع تكتيكات جديدة، مقارنة بالعملية الماضية، التي وقعت في نقطة أشبرش على بعد خمس كيلومترات من تنزاواتن. وفي يوليو/تموز الماضي، إنقسم المرتزقة الروس، برفقة الجيش المالي، إلى مجموعتين لمهاجمة بلدتي إن أفارق وتنزاواتن على الحدود مع الجزائر. هُزمت المجموعتين هزيمة نكراء، وتم القضاء على هذه القوات التي كانت تريد السيطرة على تنزاواتن بالكامل. تم قتل أو أسر جميع أفراد هذه القوة و لم يرجع منها أحد.
ومنذ ذلك الحين، يقوم مرتزقة فاغنر بنشر القوات و العتاد، أولاً في مدينة غاو، والتدريب مع القوات المسلحة المالية خلال شهري أغسطس وسبتمبر، ثم انتقلت هذه القوات إلى مدينة كيدال لجعلها نقطة انطلاقة لتنفيذ الهجوم على تنزاواتن، و سيتم ذالك بالتحالف مع مجموعات الطوارق التابعة لحركة إنقاذ أزواد (بزعامة موسى أغ أشغاتومان) وغاتيا (بزعامة الجنرال الهجي غامو). أعاد هذا التحالف الخماسي المكون من؛ جيش مالي وإميسا و غاتيا والفيلق الأفريقي وفاغنر، تجميع صفوفه لمدة أسبوع في مدينة كيدال، وغادر يوم الأحد الماضي إلى تيناساكو للتوجه في الساعات المقبلة إلى تنزاواتن.
هدف الروس هوتنزاواتن
وغادرت قافلة مكونة من 50 مركبة و مدرعة تيناساكو على طول طريق صحراوي وعر متجنبة التلال خوفا من الكمائن. و ستنطلق قافلة ثانية من تيساليت لحماية الأولى، بينما سيتم نشر قوة ثالثة لضمان الدعم اللوجستي بين كيدال وتنزاواتن. وسيشارك في هذه العملية ما بين 500 إلى 600 جندي ومائة مركبة ومروحيتين وطائرتين بدون طيار، من طراز بيرقدار–أكينجي التركية.
تم إختيار الوقت بعناية من طرف فاغنر لتنفيذ الهجوم على تنزواتين. و قد أدى سوء الأحوال الجوية في الأسابيع الأخيرة إلى إختفاء معالم الطرق الصحراوية في المنطقة بشكل كامل، مما جعل من الصعب على قوافل القوات المالية و عناصر فاغنر الوصول حتى الآن الى تنزواتن. و هناك أيضا عامل آخر يعتمد عليه الروس: الحالة الوبائية في المنطقة، حيث يعاني السكان الأزواديون من وطأة التلوث مما أدى إلى إصابة مئات الأشخاص بمرض الملاريا و الدفتيريا.
الموضوع الأكثر إثارة للاهتمام هو أن فاغنر يبدو أنها أدرجت في حساباتها العسكرية الدقيقة تدخلًا جويًا جزائريًا محتملًا، وفقًا لما ذكرته صحيفة “ميناديفينس” الجزائرية المتخصصة في الدفاع و الأمن. فقد صنعت فاغنر نموذجًا طبق الأصل لنظام الدفاع الجوي الروسي بانتسير–إس، مثبتًا على هيكل شاحنة صينية الصنع لإيهام الجيش الجزائري بمضادات جوية محتلة. وتم اكتشاف هذه المنصة يوم أمس مهجورة على بعد خمسة كيلومترات شمال شرق تيناساكو بعد أن أصابها عطب. و حسب مراقبين، فإن هذا العمل يظهر رغبة مالي في استفزاز الجزائر.
وبحسب المعلومات الحصرية فإن موكب فاغنر واجه صعوبة في التحرك وسط الرمال الليلة الماضية. وتوقف عند بئر في منطقة تيناكاروت حيث اقتحم المرتزقة تلك البلدة النائية و عبثوا بمدرسة القرية، بحثاً عن مسلحين حسب زعمهم.
من جانبه، أكد الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن شعب أزواد (CSP–DPA) أنه ينتظر بفارق الصبر القوات المالية و أنه ليس لديه أي نية لإخلاء تنزواتين أو الإنسحاب منها.
النيجروبوركينافاسو تشاركان في العملية
و يقوم تحالف دول الساحل (AES)، وهي الكونفدرالية التي ظهرت في سبتمبر 2023 والتي تضم ثلاث دول: النيجر ومالي وبوركينا فاسو، بإعداد قواته لدعم مرتزقة فاغنر و الجيش المالي في معركة تنزاواتن الثانية.
و قد أرسلت بوركينا فاسو ما لا يقل عن 150 جنديًا و طائرتين بدون طيار من طراز بيرقدار أكينجي إلى مالي. من جانبها أرسلت دولة النيجر اليوم طائرة شحن محملة بالذخيرة و 100 جندي نيجري. إضافة إلى ذالك؛ أرسلت نيامي طائرتين هليكوبتر قتاليتين. وهبطت طائرة الشحن، فجر اليوم الثلاثاء على مدرج بمطار كيدال، شمال مالي.
دعم الصحافة الحرة
إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.
تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.
إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا. بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.