back to top
17 ديسمبر 2024

القوات المالية المتجهة نحو تنزاواتن تقرر الإنسحاب من أرض المعركة

تابع القراءة

قبل عشرة أيام، إنطلقت من كيدال قافلة عسكرية ضخمة متجهة إلى الحدود الجزائرية لخوض معركة فاصلة ضد مقاتلي أزواد. 

✍️ لحبيب عبد الحي 

مدريد (ECS).-  كانت قد غادرت كيدال قبل عشرة أيام من الآن متجهة إلى تنزاواتن و لكن قررت الإنسحاب و إعادة الإنتشار، و لم تقطع بالكاد سوى مسافة قدرها 100 كيلومتر. قافلة عسكرية تضم المئات من الجنود الماليين و عناصر فاغنر الروسية إضافة إلى مقاتلين من طوارق غاتيا و إميسا، المناوئين للإطار الاستراتيجي الدائم، وأكثر من مائة آلية مدرعة ومركبة نقل جنود كانت في طريقها إلى معركة فاصلة، قررت الرجوع إلى كيدال. القافلة كانت تتقدم ببطء بدعم جوي نحو تنزاواتن للانتقام للجنود الروس الذين سقطوا في معركة تنزاواتن الأولى، و التي ضحت رحاها يومي 26 و 27 من شهر يوليو الماضي قرب بلدة أشبرش. و تعتبر معركة تنزاواتن الثانية بمثابة الاختبار الحقيقي و النهائي لقوة زعيم المجلس العسكري في مالي عاصمي غويتا ومستشاريه الروس من عناصر فاغنر. ففي الأيام الأخيرة شاهدنا على مواقع التواصل الاجتماعي تبادل للاتهامات بين أنصار الطرفين، وبدا أن كل شيء كان جاهزً للمواجهة التاريخية.

صورة الأقمار الصناعية لجيش مالي أثناء تواجده قرب تيناساكو | شمال أزواد.

في الصحراء المترامية؛ محاربي الصحراء، عبر التاريخ، لطالما خشيهم أعدائهم لضراوتهم في حماية أراضيهم الوعرة، هم الوحيدون القادرون على كظم غيظها. يُسمون أيضاً بنبلاء الصحراء، و هم وحدهم القادرين على عبور هذه الصحراء المرعبة. إنهم لا يعرفون الحدود و جل ما يعرفونه هو أن الصحراء ملك لهم و هم الوحيدون القادرون على السيطرة عليها. و ما بدا وشيكاً لم يكن كذلك. يمكن أن تقتل الشمس والعطش والعواصف الرملية والرمال المتحركة أي أحد لا تعرفه هذه الصحراء القاحلة. على أية حال، فإن المسافة الـ 150 كيلومترًا التي تفصل بين كيدال وتنزاواتن لا يتم عبورها بواسطة طريق سريع برسوم مرور، ولكن عبر مسار صحراوي يختفي في بعض الأحيان، وتغشيه الرياح و الرمال أحياناً أخرى.

قافلة مالي كانت تتحرك ببطء بحذر شديد كي تصل إلى وجهتها (تنزاواتن). و حسب مصدر خاص من الإطار الاستراتيجي الدائم، كان قد صرح لنا أن القوات المالية تشكو من نقص الوقود و المياه، ومشاكل لوجستية بمختلف أنواعها، كل هذه العوامل أدت إلى تأخير التقدم لسبب أو لآخر، ولكن في النهاية كل ذلك يتلخص في حقيقة أن الصحراء هي من غزت جيش باماكو.

مركبات عسكرية للجيش المالي دمرها جيش أزواد ممذ شهرين في أشبرش، قرب تينزاواتن.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، ولن تكون الأخيرة على مرِّ العصور. أساء الملك قمبيز الثاني فهم ذلك عندما فقد 50.000 مقاتل في طريقه إلى مدينة سيوة، تمامًا كما فعل رينالد دي شاتيلون عندما ذهب مع غي دي لوزينيان لمواجهة صلاح الدين الأيوبي في حطين، عام 1187. كان رينالد غي دي كلاهما صليبيين نبيلين (كان غي دي قد أخطأ في تقييم الموقف). اتضح أنهم أخطأوا في حساب الجمع بين الماء الذي كان عليهم توفيره وحرارة الحديد للدروع، لذلك إضطروا إلى الرجوع بعد عدة أيام من مسيرة المؤلمة و طويلة عبر الصحراء. وكان صلاح الدين ينتظرهم هناك، و إنتصر عليهم و تم قطع رأس أحد هؤلاء الملكين بينما تم سجن الآخر في دمشق.

فالمعلومات التي تؤكد أن جيش مالي يفتقر إلى الدعم اللوجستي الكافي، وتلك المركبات الثقيلة التي لا تضاهي سيارة “تويوتا لاند كروزر” الخفيفة، والأسرار التي يتقاسمها الأزواديين مع الصحراء، تمامًا تتطابق مع واقعة صلاح الدين عندما انتظر الصليبيين في الواحة حيث كان يعلم أنهم سيذهبون إليها للبحث عن الماء الذي طال انتظاره… مما يثير التشابه عند تحليل أهم معركة للجيش المالي في السنوات الأخيرة.

الصحراء تقرر مستقبل غويتا، تمامًا كما دمر تساقط الثلوج جيوش هتلر ونابليون أثناء غزو روسيا. و يبدو من المرجح أن الصحراء نفسها تلعب الآن دورًا أساسيًا في نتيجة معركة تنزاواتن الثانية.

و عند سؤالنا لأحد قادة الإطار الاستراتيجي الدائم عن رأيه فيما يتعلق بنتيجة المعركة القادمة، قال أنهم سينتصرون (…). يتحدث ضيفنا بحذر لكن يعترف: “في وقت القتال [النتيجة] غير مؤكدة. لكننا مستعدون جيدًا لهذه المعركة وتلك التي تليها. ومن الواضح أننا في حرب وستتكرر مثل هذه المعارك مرات عديدة وفي أماكن كثيرة. النهاية لن تكون في تنزاواتن .”

الحقيقة التي يجب أخذها في الاعتبار هي أن قافلة الجيش المالي، التي كانت تتقدم ببطء و حذر شديد (لاحظوا المشاكل التي عانت منها أثناء تقدمها)، هو أنه من المفترض أن هزيمتها كانت ستترك كيدال والمناطق المحيطة بها دون حماية عسكرية. ومن الجدير بالذكر أن أي انتصار الإطار الاستراتيجي الدائم سيسمح لحركات أزواد باستعادة جزء كبير من الأراضي التي فقدوها في الخريف الماضي.

وفيما يتعلق بالجزائر، تتم متابعة المعركة المتوقعة عن كثب، وتمركزت القوات الجزائرية على جانبها من الحدود لمنع امتداد القتال إلى أراضيها. ومن الضروري أن نذكر أن مالي والجزائر تمران حاليا بأزمة دبلوماسية، حيث تتهم باماكو الجزائر بإيواء الإطار الاستراتيجي الدائم بينما تطلب الدول الأخرى من الأمم المتحدة وضع حد لنشاط المرتزقة الروس في منطقة الساحل. خطوة واحدة خاطئة كان يمكن أن تجعل الوضع أسوأ بالنسبة للجيش المالي. باختصار، تستمر مقدمات المعركة التي طال انتظارها، مرة تلو الأخرى، على إيقاع الصحراء التي تهيمن على طموحات الخصوم ولكن يبدو أن لها خياراتها. يقاتل الماليون ضد الأزواد وضد رمال الصحراء. لم يكن من السهل عليهم الإنتصار في هذه المعركة، فقرروا الإنسحاب.

بيان الجيش المالي بعد الإنسحاب من معركة تنزاواتن

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار