back to top
07 أكتوبر 2025

ذكرى الخلود

تابع القراءة

أمحمد/ البخاري 28 سبتمبر 2025

بعد أيام سيحتفل الشعب الصحراوي بمرور نصف قرن على حدث تاريخي متمثل فى الإعلان يوم 12 اكتوبر 1975 عن قيام الوحدة الوطنية. و بالفعل في وم 12 أكتوبر ليس تاريخا عاديا لأنه تجدد بروز شعب أصيل إلى الوجود فى أقوى تجليات الإنبعاث.

نعم، إن الوحدة الوطنية هي إحدى العناصر الثلاثة المؤسسة للإنبعاث الوطني الصحراوي المعاصر إلى جانب الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية و قيام الجمهورية الصحراوية.

قرار قيادات الجبهة الشعبية بزعامة الشهيد الولي مصطفى السيد توجيه نداء إلى كل الصحراويين المؤمنين بكينونتهم كشعب للجمع يوم النفير للدفاع عن الوطن المستهدف من كل حدب و صوب بهدف الإعلان عن وحدتهم فى وجه فلول جميع المتربصين، كان قرارا مؤسسا لعهد جديد فى تاريخ الشعب الصحراوي: عهد الوحدة الوطنية و الدولة الصحراوية المستقلة.

فما هي أسس الوحدة الوطنية و مراميها؟

 الوحدة الوطنية هي عقد سياسي.

و كما هو فى التعريف القانوني ف “العقد هو شريعة المتعاقدين”. بمعنى أن الصحراويين فهموا أن وجودهم اليوم و غدا و إلى الأبد مرهون بوحدتهم فى وطنهم و قد انتفضوا و تعاقدوا على هذا الأساس.

لقد وعوا و فهموا فى لحظة تاريخية حاسمة أنه بدون الوحدة الوطنية الشاملة سيكونون بلا وطن. و من لا وطن له يندثر و يمحى من الوجود، لأن وجود الشعوب مرتبط بالأوطان.

و انسجاما مع الوعي بهذه المسلمات و الحقائق السالفة الذكر إتفق الصحراويون فى ملتقى بلدة “عين بنتيلي” الذى نظمته الجبهة على المبادئ المؤسسة للوحدة الوطنية و التى يمكن تلخيصها فى أن الصحراويين بدون إستفتاء متمسكين ب:

1- أنهم شعب واحد و موحد.

2- أن الساقية الحمراء و وادي الذهب ( الصحراء الغربية)، أرض اجدادهم هي وطنهم الأبدي.

3- أن الدفاع عن وطنهم فرض عين و واجب مقدس على كل صحراوي و صحراوية.

4- أن التمسك بالإستقلال التام و بالدفاع عن حوزة الوطن و وحدته الترابية هي أسس مقدسة لوحدتهم الوطنية.

فالإعلان عن الوحدة الوطنية، إذن، كان عملا باتجاه الشعب الصحراوي نفسه بكافة فئاته و فى جميع اماكن تواجده و كان كذلك رسالة باتجاه الآخرين، بمعنى الجهات ألأجنبية و العالم بصفة عامة.

أ- الإعلان بإتجاه الصحراويين 

لقد تزامن الإعلان عن قيام الوحدة الوطنية مع جو مشحون بالتهديدات الخارجية المتمثلة بالتآمر على الوطن من قبل المستعمر الإسباني و بعض الانظمة المجاورة فى الشمالى و الجنوب. و كان لا بد من القيام بحملة توعية واسعة أمام الخطر المحدق فأضحى لزوما الإستعداد لمواجهته و صده بكل ثقة و شجاعة.

فكأن حدث الإعلان عن الوحدة الوطنية كان بمثابة ذلك الإمتحان الذى سيثبت وجود شعب واع بوجوده كشعب و بإنتمائه إلى وطنه المحدد جغرافيا.

الوحدة الوطنية تعنى هكذا بأن الشعب الصحراوي واع بوجوده الخاص و المتميز عبر العصور و بهويته و ثقافته و تقاليده و أن ذلك الوعي له إرتباط وثيق و علاقة جدلية بوجوده على وطنه.

الإستجابة الشاملة لنداء الوحدة الوطنية تم التعبير عنه بالتسابق للإلتحاق بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي و بمختلف مؤسسات الحركة و الدولة و هذا قطعا ما سيشهد عليه التاريخ بأعتباره أكبر انجاز و اسطع دليل على وعي الشعب الصحراوي الوجودي و قدرته على التمسك بوحدته الوطنية التى اظهرت مدى حيويته كشعب لمواجهة كل التحديات بما فيها مؤامرات الإبادة و التقسيم.

لقد حطمت الوحدة الوطنية الصحراوية كل تحاليل المستعمر الإسباني و شركائه الغزاة الذين لا يرون فى الشعب الصحراوي سوى قبائل و بطون و فئات متفرقة و متناقضة سهلة الإبتلاع.

فإعلان الوحدة الوطنية كان إيذانا بميلاد عهد جديد، عهد الكرامة التى سقتها وديان من دماء ابناء الوطن الأبرار فداء للوطن. لقد سبلوا ارواحهم من اجل أن يحيا الوطن و لم يفعلوا ذلك نيابة عن قبيلة او عشيرة و إنما تجسيدا لحقيقة لا تقبل الجدال بان الوحدة الوطنية لم تقم على أساس وحدة قبائل و إنما قامت لأن فى الصحراء الغربية شعب أصيل، موحد و واع بواجبه المقدس فى الذود عن كرامته و عن ارضه و عرضه.

و هكذا، اثبت الشعب الصحراوي خلال العقود الخمسة المنصرمة، بفضل إستراتيجية الوحدة الوطنية، بانه شعب موحد و قادر على أن يحقق اعلى درجات التنظيم و يثبت بكل جدارة و شجاعة و استبسال القدرة على الدفاع عن وطنه و على تحمل مسؤوليته فى علاقاته مع جيرانه و مع العالم الخارجي مكذبا كل الدعاية الموجهة من لدن التوسع المغربي و لوبياته و حلفائه الرامية إلي مصادرة حقوق الشعب الصحراوي بما فيها التنكر لوجوده كشعب، و هذا بهدف تشريع الإحتلال.

ب- الإعلان بأتجاه العالم الخارجي 

كانت الجبهة قد رصدت فحوى الإتصالات السرية بين القوى الإستعمارية و التنسيقات الجارية بينها و بين بعض دول الجوار التوسعية و المتواطئة بهدف القضاء على ثورة التحرير التى تقودها جبهة البوليساريو فى الصحراء الغربية.

و استباقا للتحرك الميداني لتلك القوى الإستعمارية من خلال الانظمة العميلة المجاورة استطاعت الجبهة أن تلم شمل الصحراويين فى عين بنتيلي بعد ان اضحى جليا تمسك الشعب بتمثليها له بدون منازع، و هو الشيء الذي جسدته بكل وضوح المظاهرات العارمة التى نظمتها فروعها السرية فى كل المدن التى زارتها بعثة الأمم المتحدة لتقصى الحقائق ( مايو 1975).

اعلان الوحدة الوطنية، فى تلك المرحلة و فى ذلك المناخ الجيوسياسي على الصعيدين الأقليمي و الدولي كان رسالة واضحة و قوية بأن الشعب الصحراوي موحد و قادر على الدفاع عن حقوقه فى الحرية و الإستقلال فى وطنه و مستعد للتضحية بكل شيء فى سبيل ذلك.

و كان الإجتياح العسكري المغربي بتاريخ 31 اكتوبر 1975 نقطة تحول لما يمثل من استفزاز للشعور الوطني الصحراوي المتجذر ألذى لا يقبل الذل و الخنوع أمام العدوان و الظلم و التكبر و شكل ذلك استنفارا للروح الوطنية التى استحضرت ذكريات المقاومة الشعبية منذ 1905 إلى 1934 و المعركة ضد ايكوفيون/تيدي 1957/58 و انتفاضة الزملة بتاريخ 17 يونيو 1970 و اعلان الجبهة الشعبية يوم 10 ماي 1973 و اندلاع الكفاح المسلح لنيل الحرية و إنتزاع الإستقلال يوم 20 ماي الموالي.

لقد شكلت الوحدة الوطنية فعلا رسالة تحدى للموقعين على إتفاقية الخيانة المعلنة فى مدريد يوم 14 نوفمبر 1975، بحيث أن مفادها هو ان الشعب الصحراوي لن يكون لقمة مستصاغة لتهورهم و مغامراتهم ، و أن حكمهم بتغييب الشعب الصحراوي و تقسيم ارضه و ثرواته و تشريده بقوة السلاح سيكون مشروعا فاشلا و مكلفا فى نفس الوقت.

و تجسيدا للوحدة الوطنية و بتاريخ 28 نوفمبر 1975 فى بلدة “گلتة زمور” سحب اعضاء الجمعية ( هيكل شبه تمثيلي و شبه تشريعي انشأته الإدراة الإسبانية) البساط من تحت اقدام الدولة الأسبانية، بعد توقيعها على إتفاقية مدريد المشؤومة مع المغرب و نظام ولد داداه بتاريخ 14 نوفمبر 1975 و تفريطها فى إلتزاماتها أمام الشعب الصحراوي و تجاه الأمم المتحدة باعتبارها القوة المديرة للإقليم.

لقد شكل أعلان “گلتة زمور” حدثا بارزا فى مواجهة مؤامرة مدريد بحيث أن حل الجمعية لنفسها و تأسيس المجلس الوطني الصحراوي المؤقت على انقاضها و إلتحاق غالبية اعضائها بالصف فى إطار الوحدة الوطنية قد الغى ما كان قد خطط له المستعمر الإسباني و الغزاة الذين كانوا قد اتفقوا على تمرير تشريع الإحتلال و مشروعهم للتقسيم عبر الجمعية المذكورة على أنه ممارسة لحق تقرير المصير نتيحة للاحراج الذى يوجدون فيه جراء اعتراف الأمم المتحدة و الوحدة الأفريقية و حركة بلدان عدم الانحياز و محكمة العدل الدولية بذلك الحق بالإضافة الى الخلاصات التى نشرتها البعثة الاممية لتقصى الحقائق فى تقريرها خلال تلك الأثناء و المتمثلة فى اعترافها بانضواء غالبية السكان تحت لواء الجبهة الشعبية و رفضهم للمطالب التوسعية و تمسكهم التام بالإستقلال الوطني و بالوحدة الوطنية و الترابية.

و يمكن اعتبار أن اعلان الجمهورية يوم 27 فبراير 1976 يجسد ابرز تتويج تاريخي لوحدتنا الوطنية و اقوى دليل على أن الصحراويين لن يقبلوا بديلا عن وطنهم الذى برهنوا باستماتهم فى الدفاع عنه بالآلاف من قوافل الشهداء بين شهداء الميدان و شهداء الواجب.

و هكذا فإن الوحدة الوطنية هي تلك الصخرة المنيعة الشامخة التى تحطمت عليها بالأمس كل الدسائس و المؤامرات ضد الوطن و الحقوق و ستبقى كذلك إلى الأبد لأنها امانة فى اعناق جميع الاحياء من الصحراويين و الصحراويات و لذلك تعتبر صيانتها و التمسك بها واجب مقدس لأنها سلاح الشعب لفرض سيادته التامة على الوطن و سر انتصاراته على المحتل، مهما فعل، فيما مضى و فيما هو آت.

فمرحبا و أهلا و سهلا بذكرى الخلود، ذكرى الوحدة الوطنية.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار