back to top
06 سبتمبر 2025

حصارات الساحل الصامتة… من غاوا إلى كايس

تابع القراءة

• لنصاري حسين


بينما كانت مالي منشغلة بالمناورات الجيوسياسية الكبرى، كان سكان تمبكتو وغاوا وبوني وهومبوري وليرا يعيشون لسنوات تحت حصار لا أحد يتحدث عنه. اليوم، مع وصول موجة العنف إلى معبرَي كايس ونيورو التجاريين الحيويين على الحدود الموريتانية، أصبحت الصورة واضحة: الأزمة في الساحل وفي مالي خصوصاً لا تتراجع بل تتحول وتتمدد، على عكس ما يروّج له البعض.

الجذور العميقة للأزمة…

لا يمكن فهم تمدد الجماعات المسلحة في مناطق كانت مستقرة بعض الشيء مثل كايس ونيورو دون النظر إلى جذور الأزمة المتشعبة، فبعد خمس سنوات من الحكم العسكري في مالي، لم تشهد المنطقة أي تحسن أمني ملموس، بل على العكس، اتسعت رقعة النزاع وازدادت وتيرة العنف وفشلت الاستراتيجيات الأمنية القائمة على الاعتماد الكلي على القوة العسكرية والمليشيات المسلحة في تحقيق الاستقرار، بل حولت المدنيين إلى أهداف للانتقام.

¿إعلان خلافة إسلامية في مالي؟ موريتانيا والسنغال في حالة تأهب قصوى بعد إعلان القاعدة

مسار التدهور… خمس سنوات من الحصار المتصاعد

لم تبدأ الأزمة في كايس ونيورو، بل هي حلقة جديدة في سلسلة امتدت خمس سنوات، فمدن الشمال والوسط مثل تمبكتو وغاوا وبوني، عانت من حصار متقطع منذ 2020، حيث فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سيطرتها على الطرق وأعاقت حركة التجارة والإمدادات أكثر من مرة. أما هومبوري، نيونو، ليرا وجيما وفربغو وغوسي مؤخرا، فقد تحولت إلى نقاط ساخنة للصراع بين الجيش المالي ونصرة الإسلام والمسلمين مع حصار فعلي عانى منه السكان لشهور.

فتجربة مليشيات الدفاع الذاتي في مالي وبوركينا فاسو أثبتت فشلها الذريع، بدلاً من حماية المدنيين، حولتهم إلى دروع بشرية أمام هجمات الجماعات المسلحة. مذبحة أوغوساغو في وسط مالي ومجزرة بارسالوغو في بوركينا فاسو، كانتا مثالاً صارخاً على كيفية تحول هذه الاستراتيجيات إلى كابوس على السكان المحليين.

تمثل كايس ونيورو شريان الحياة الاقتصادي لغرب وجنوب مالي، كمعبر تجاري حيوي مع موريتانيا والسنغال و المغرب ومركز للنشاط الاقتصادي والتبادل التجاري، استهدافهما يعني ضرب الاقتصاد المالي في الصميم، وإثبات أن لا منطقة آمنة من هذه الجماعات التي تضرب أينما شاءت.

وهذا التصعيد لم يكن مفاجئاً، بل كان نتيجة تراكم مؤشرات لم تُؤخذ بالجدية الكافية، حيث بقيت الاستراتيجيات الأمنية مركزة على حماية العاصمة من أي انقلاب محتمل، متجاهلة الأهمية الاستراتيجية للمدن الداخلية والمناطق الريفية والطرق التجارية.

موريتانيا، «الإستثناء الصعب» في قلب عاصفة الإرهاب في منطقة الساحل

ولا شك بأن تصعيد العنف في مناطق حدودية حساسة مثل نيورو القريبة من موريتانيا وكايس الحدودية مع السنغال يحمل تهديدات إقليمية خطيرة فتمدد النزاع إلى هذه المناطق يعني تعريض الاستقرار النسبي الذي تتمتع به بعض الدول المجاورة، كما يهدد طرق التجارة الحيوية ويعمق الأزمة الإنسانية في المنطقة أكثر.

خيارات صعبة أمام انهيار شامل…

في الحقيقة تمكنت الجماعات المسلحة من تحويل المناطق الريفية إلى قواعد دائمة، معتمدة على تكتيك “الحصار الطويل” الذي يستنزف موارد الدولة ويقوض شرعيتها، وقطع الطرق بين المراكز الحضرية، مما حول المدن البعيدة إلى جزر معزولة يعتمد الجيش نفسه فيها على الإمدادات الجوية.

وذلك ربما بسبب الاعتماد على القوات الأجنبية وميليشيات الدفاع الذاتي، الأمر الذي لم يحقق الأمن للحكومة المالية، بل خلق ديناميكيات جديدة من العنف بسبب الانتقامات.

كما أن الفشل في فهم البعد الاقتصادي في استراتيجية الجماعات المسلحة كان أحد الأخطاء القاتلة، يبدو بأن الحكومات لم تفهم أن السيطرة على الاقتصاد جزء أساسي من استراتيجية الجماعات.

واليوم، المنطقة أمام خيارات صعبة تتطلب إعادة تعريف الأمن والانتقال من مفهوم المواجهة العسكرية إلى الحوار المتكامل (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي)، يجب أن تكون استعادة المحاور التجارية أولوية استراتيجية، ولايمكن ذلك إلاّ بدعم المبادرات المحلية للسلام التي أثبتت نجاحاً نسبياً في بعض المناطق التي تعرضت للحصار كـ بوني وتمبكتو على سبيل المثال.

نبذة عن الكاتب: حسين أغ عيسى، صحفي استقصائي وباحث أمني يحمل الجنسية المالية والجزائرية – متخصص في الحركات المسلحة في منطقة الساحل. مقال تحليلي للوضع القائم على حدود موريتانيا مع مالي.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار