back to top
05 أغسطس 2025

حرب باردة و صراع الأجنحة.. توثيق لمنعطف جديد داخل المنظومة الأمنية في المغرب (الجزء الثالث)

تابع القراءة

بقلم م.أ (الرباط، المغرب)

الرباط (ECS).- لحظات بعد الكارثة ( تفجيرات الدار البيضاء). تم الإعلان عن تعيين جديد يخص قمة هرم المخابرات المدنية، أحمد حراري، مديرا عاما للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، دار المخزن تكرم أحد أبنائها المخلصين الذين تربوا داخل الكيان السري للدولة العميقة.

المعروف أن احمد حراري كان يشغل منصب مدير لاديستي بجهة الدار البيضاء الكبرى و هو أحد المقربين جدا من الملك محمد السادس، نظرا لكفائته و خبرته في ميدان الاستخبارات: التجسس و التجسس المضاد. 

مدرسة أمنية جعلت من احمد حراري قامة استخباراتية تحظى بثقة محمد السادس، لكن، فبعد مرور ثلاث سنوات من تعيينه يتفاجىء الجميع بإعفاء إبن لدار المخزن؛ ضربة موجعة تعصف بكيان المخابرات المغربية و السبب دائما الغريم التقليدي، لادجيد، هاته المرة ستحلق عاليًا و ترفع سقف التحدي لتشن حربًا باردة على صفيح ساخن و تقتلع اأحمد حراري من منصبه حتى قبل أن يفكر ماذا حصل؟ هو نفسه السؤال الذي سأله من كان قبله، الجنرال حميدو العنيكري، و كأنه لعنة تأبى أن تصيب و تتلبس بكل من يجلس على مكتب المدير العام للمخابرات المغربية “لاديستي”.

صراع الأجنحة في المغرب: عندما فرض العسكر الوصاية على المخابرات المدنية (الجزأ الثاني)

في زيارة له، هي الأولى من نوعها للمملكة العربية السعودية و خلال مؤتمر أمني يجمع كبار مسؤولي المخابرات الدولية، صرح يومها أحمد حراري، في خطوة غير محسوبة، بأن الفكر الوهابي هو منبع الإرهاب؛ قنبلة فجرها السيد المدير العام كانت كافية لتفتح المجال أمام لادجيد لتبرز مهاراتها في الضرب، و بقوة. لم تتأخر هاته الأخيرة حتى وضعت بين يدي محمد السادس تقارير تفيد بأن العلاقات الدبلوماسية المغربية تجاه السعودية مهددة بالانهيار و السبب تصريح أحمد حراري متهمًا الوهابية بأنها منبع الإرهاب.

و المطلوب؟ إعفاؤه.. نعم أ سيدي فنحن مقبلين على ازمة ممكن أن تعصف بمصالح الدولة العليا، فكأن للمخابرات الخارجية ما أرادت و تم إعفاء أحمد حراري مدير عام مراقبة التراب الوطني قبل أن يلتحق بالتراب الوطني. درس جديد من فنون القتال العسكرية تم تدريسه لدار المخزن و لتعلم أن الصاع ليس صاعين بل سلسلة متقونة من الضربات الغير المتناهية.

2005 تحديث الجهاز الاستخباراتي و منعطف جديد في حرب الأجنحة: 

في مطلع سنة 2005 سيحدث تغيير شامل و جذري بوصاية مكتب محمد السادس مباشرة. إرتأت دار المخزن أن تتدخل على وجه السرعة لوضع حد لسلسلة الهجمات المتداخلة المتضاربة بين الأجهزة الأمنية، هذا التغيير سيكون بمثابة ضخ دماء جديدة و بزوغ أسماء غير مألوفة في فضاء الاستخبارات و الأجهزة الأمنية في المغرب.

محمد السادس سيقوم بتعيين عبد اللطيف الحموشي مديرًا عاما للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني و هو لم يكمل بعد سنه الأربعين.

و على ضفاف الجهة المقابلة سيتم إختيار محمد ياسين المنصوري كأول مدني يقود قاطرة المخابرات الخارجية العسكرية التي تعودت أن تكون تحت إمرة الجيش.

وجوه شابة جديدة و غير معروفة تتسلم مفاتيح أمن الدولة. الحموشي الذي عرف عنه الخبرة في ملفات الإرهاب حتى لقبه زملاؤه ب “السلفي”، أما ياسين المنصوري فهو رجل الدولة بامتياز تدرج في مكاتب الداخلية، يعرف خبايا الملفات الحساسة و طريقة التعامل مع ادق التفاصيل.

و يبدأ العد و تنطلق المنافسة.. كل شيء فيها مباح لكن الهدف يبقى واحد؛ أمن القصر و مصالحه.

و حتى لا نطيل عليكم سندخل صلب الموضوع مباشرة لأن الأمر هذه المرة لم يعد صراع بين دار المخزن و العسكر كما عهدنا بل تحور و تطور لينسج و يعطينا جيل جديد من الحرب الدائرة داخل الدولة العميقة ،فالحال تعدى ما هو مهني ليصبح شخصي بين عبد اللطيف الحموشي و محمد ياسين المنصوري او بصيغة أخرى بين الحموشي، إبن الفلاح الذي تربى داخل أسرة بسيطة، و المنصوري إبن القاضي الذي كبر و عاش بين أحضان القصر الملكي.

الحموشي، أو البرنوصي “نسبة إلى قبيلته البرانصة في جبال تازة”، ذلك الشاب الذي إجتهد و تعب من أجل الدراسة ونيل شهادات عليا، وجد نفسه مجبرًا على الإشتغال كمخبر لدى المخابرات المدنية لاديستي على حساب أصدقائه الطلبة القاعديين و الإخوان ليوفر لنفسه القليل من المال يساعده لإكمال دراسته.

عمله كمخبر مكنه من ولوج سلك المخابرات بسهولة و دون عناء في وقت كانت فيه الوساطة شائعة أنذاك.

هذا الماضي المتسخ العفن كان كفيلاً أن يشكل عند الحموشي عقدة لازمته طول حياته لتضعه في موقف الحقير أمام ياسين المنصوري، الذي كبر و ترعرع في أحضان عائلة كبيرة ونسب شريف، فهو إبن القاضي المنتسب للزاوية الشرقاوية، درس جنبا إلى جنب بالمدرسة المولوية مع محمد السادس. فرق كبير و شاسع، طبقات إجتماعية متابعدة ما بين السماء و الأرض و على رأي المطرب الشهير عبد الهادي بلخياط: أنا فين و انت فين يبان ليك الفرق يا مسكين.

و المسكين هنا عبد اللطيف الحموشي الذي رغم ما وصل إليه لم يستطع التخلص من عقدة الماضي.

كل هاته العوامل كانت سبب في جعل الصراع يتحول إلى شخصي مع الخفاظ على الأبجديات الأساسية للعبة.

في سنة 2014 و بعد انتصارات لرجال المنصوري، خصوصًا أن الأرقام بدأت تتحدث بشكل واضح و فاضح عن إنجازات لادجيد “تفكيك أكثر من 114 خلية إرهابية داخل و خارج المغرب”، تفوق أخجل لاديستي و جعلها تفكر في اللجوء إلى الطرق الغير الشرعية، طبعا اسلوبها المفضل الضرب تحت الحزام.

أعطيت التعليمات بمراقبة منزل الرجل الاول في المخابرات الخارجية دون انقطاع، كل التفاصيل بل أدق التفاصيل، وهنا عندما نقول مراقبة المنزل فهو يتضمن حتى الأشخاص المقيمين به، الزوجة و الأولاد و العاملين به دون تحديد الهدف الذي سيتبين بعدها أن المقصود بالمراقبة كان “زوجة ياسين المنصوري”.

و بالفعل إستطاع الحموشي و بكل حقارة أن يجمع أدلته ضد زوجة المنصوري، أدلة مادية و قطعية من صور و مكالمات تثبت تورطها بعلاقة خارج إطار الزوجية مع أحدهم، و لن نتحدث أكثر فنحن لسنا هنا للتشهير أو الخوض في أعراض الناس فالحموشي، مخرج الأفلام الإباحية، لم يقصر في ذلك.

بعد أن فعل فعلته و أكد خبثه و مكره ذهب الحموشي مسرعًا ليطلع محمد السادس على قضية أخرى من نوع آخر، نوع لم تتعود عليه الدولة العميقة إلى أن وجدت نفسها في وحل الشبهات و العلاقات الغير المشروعة. و كان للحموشي ما أراد و تم استدعاء ياسين المنصوري دون سابق إنذار من طرف الملك ليتفاجأ بنظرات لم يألفها من صديقه و هو يوبخه بصوت مرتفع أمام الخادم المطيع الخبيث الحموشي و هو يقول له: “إن لم تستطع حماية منزلك فكيف تستطيع حمايتي و حماية الدولة.”

عرف حينها أن الامر يتعلق بكارثة تخصه و تخص بيته الصغير، ليجد نفسه ضحية الخيانة الزوجية التي أدخلت الرجل في حالة إكتئاب كاد يفقد على إثرها حياته.

كانت صدمة موجعة ليس فقط للمنصوري بل للجهاز بأكمله، خلطت الأوراق من جديد و قلبت الطاولة على المخابرات الخارجية و جل منظومة العسكر, لأن دار المخزن لم تكن رحيمة هاته المرة, و أثبتت أنها أخبث من ما كان يعتقده البعض حتى أن هناك من كلام راج وقتها أن الجنرال حسني بنسليمان لما سمع بالحادث قال: “هادي خدمة البراهش.”

و أخيرا إستطاع الحموشي أن يضع رأس المنصوري في التراب و ينزل نظراته للأسفل تلك النظرات التي كانت مصدر إزعاج و تحقير لإبن الفلاح العميل.

…يتبع في الجزء الرابع.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار