17 سبتمبر 2024

مساهمة في النقاش الجاري وهو ضروري

تابع القراءة

بقلم إبراهيم محمد محمود بيدالله 

يجتاز عالمنا مرحلة محملة بتغيرات وتحولات متسارعة: سياسية، عسكرية، اقتصادية وبيئية، تكاد لا تسلم منها قارة، مبشرة بأفول نجم حقبة زمنية تهاوت وصعود نجم مرحلة جديدة على أنقاضها. 

تحولات أفرزها تراكم الثروة والقوة لدى دول اعتادت التفوق والهيمنة والنفوذ على حساب دول أخرى لا تقل شأنا انكمشت على نفسها لعقود إثر وهن انتابها، لكن وقد استرجعت قواها ولم تعد ترضى لأن تظل رهينة ترتيبات التزمتها مكرهة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فإذا هي تعود الى الحلبة لتسجل وتؤكد حضورها.

دول كبرى تمتلك مقومات وشروط القوة ارتأت استباقا أو تقديرا أنها الفرصة المواتية للحفاظ على تفوقها وتوسيع مجال نفوذها (حالة الولايات المتحدة الامريكية) أو لاسترجاع ما تعتبره مجالات أمنها القومي بخطوطه الحمراء، ومكانتها الدولية بنفس ثقل الطرف الآخر ( حالة روسيا و الصين).

مايجري في أوكرانيا ليس الا فوقعة واحدة من تجليات هذا الصراع المحتدم بعد أن كان مؤجل الى حين.

زلزال استشعرته الحكومات وسارعت لحشد قواها تحسبا لما قد تؤول اليه الأوضاع من تداعيات الدينامية الناشئة، والمتوقع أن تفضي الى تشكل نظام دولي بديل لنظام القطب الواحد ما جعل العالم يأخذ تصنيف على نحو:
 
– دول تمتلك من الثروة والقوة ما يؤهلها لان تكون فاعلة وتنتزع لنفسها منزلة الفاعل وتأخذ نصيبها من توزيع الغنائم.  

– دول لها طموح يغذيه امتلاكها لأوراق أو أدوار مرشحة للعبها، تؤهلها لان تكون في الواجهة وعلى الاقل مأخوذة في الاعتبار.

– دول هشة ،أنظمة فاشلة تترقب وتتنتظر منقذ ينتشلها من المأزق، غائبة ومغيبة ومحتمل أن تكون جزء من الغنيمة.

أما على مستوى منطقتنا – الدول المجاورة –  فانها ليست في منأى من موج التحولات، رغم الفرق الشاسع في أنظمة الحكم وفي عقيدة البلدان ومقدراتها وسلم أولوياتها، فقد استشعرت الخطر المطل عليها من قريب، فسارعت الى اتخاذ وتنفيذ تدابير تؤمن وجودها  وتحصن بقائها في وجه عاصفة واصلة لا محالة.

في الجزائر توجه ”لم الشمل” جاري التمهيد له، في موريتانيا حوار وطني، وفي مالي وتشاد، وفي تونس نفس الموقف (حوار وطني)، في المغرب الملكي: حقنات لاسعاف ما بات يعرف بالاجماع الوطني وتنميق وتزيين دستور 2011 والنموذج التنموي المغربي الفاشل، في ظل ارتماء كامل في أحضان اسرائيل.

على العموم دول تشترك رغم اختلافها في ثلاث ميادين وتعتبرها أولويات:

• الجبهة الداخلية بما فيها أنظمة الحكم والنخب.

• الأمن القومي والوطني.

• التموقع والاصطفاف على ضوء نتائج التغيرات المتسارعة.

فأين نحن؟ مما يحدث في العالم وفي محيطنا وهل التقطنا شارة النفير؟ علما بأن لا مجال للمقارنة: فتلك دول قائمة ومستقلة حتى وإن كان استقلال بعضها شكلي.

أين نحن؟  ليس فقط من منطلق أن لا نتخلف عن القطار، بل أين نحن من منطلق أننا مستهدفون وعرضة لمناورة جديدة – خطيرة- قد لا تكون محصورة في تمدد التوسع واكتساح رقع أخرى من المناطق المحررة أوكلها وإقامة أحزمة تبعدنا عنها. 

هذا فضلا عن مايعج به واقعنا من تحديات ورهانات ليست كلها من فعل العدو أو المحيط وافرازاته، كما يحلو للبعض وصفها.

وما دامت الجبهة الداخلية هي مكمن القوة ومستودع الطاقة وحيث الجهد الجماعي الخلاق، وبمناسبة تخليدنا لذكريات زاخرة بمآثر ومناقب قادة عظماء أمثال الشهيد الولي القائد العبقري المؤسس وقد أًشّر الطريق وأوْجَد الأسس السياسية والتنظيمية ليس فقط للانطلاقة بل اكثر من ذلك استشرف المستقبل ورسم الأفق سواء المتعلق منها بالجبهة كحركة تحرير – الواقع –  أو المتعلق منها بالدولة – المشروع –  أو ما يخص دور الجماهير ومسؤوليات الأطر لتأمين استمرارية الكفاح وحشد له عوامل النصر.

ورفيقه الشهيد محمد عبد العزيز القائد الميداني الفذ الذي كرس حياته لأن لا يحدث الفراغ أو يتسلل الشك أو الحيرة الى الصف الوطني وواصل مستعينا برفاقه وبكل الأطر والمناضلين، واصل على نفس الدرب الاستثنائي: حركة تحرير في المعترك ومشروع دولة – صرح قيد البناء- ولم يُخَّيِّب الظن الوطني، شاهد على ذلك الكم الهائل من الانجازات والمكاسب والبناء المؤسسي ونمو المجتمع وتماسكه، لقد ساهم جدا وبصبر لا نظير له في الحفاظ على بقاء شعبنا ودولته في ظل زلازل كثيرة مر بها العالم       ومرت بها منطقتنا، تحطمت دول وأنظمة بل تلاشت على إثرها.

إن أفضل وأعظم وأشرف تخليد لكل شهدائنا يكمن في نفض الغبار عن رسالة وروح الوحدة الوطنية: شعاراتها وأهدافها ومعاودة الهبة الوطنية الشاملة التي أنجبتها في ذلك الظرف المفصلي والمصيري.

لقد كانت الجبهة الشعبية سباقة لجعل من الوحدة الوطنية والحرب الشعبية طويلة الأمد منطلقان ومرجعيتان لكفاحنا الوطني بقيادة تنطيمه السياسي الطلائعي.

فما العائق من أن نكسي الوحدة الوطنية حلة جديدة، بعد جديد، نفس جديد، زخم جديد، تلاحم جديد؟ في إطار وقفة وطنية مع الذات جامعة، يحضَّرُ لها بعناية، وعفو شامل مرفوق بتدابير إضافية في مجال حقوق الانسان تُكَمِل وتواصل ما أقره المؤتمر الثامن للجبهة من: إعادة إعتبار وجبر ضرر وتطوير آليات وقوانين حماية حقوق الانسان.

الم تنضج بعد الظروف الموضوعية والذاتية للارتقاء بالأداء والتأطير والخطاب ضمن عصرنة وتحديث الآليات والصيغ التنظيمية؟ بما يعطي للجبهة بعد حداثي يستقطب النخب والشباب ويتيح لها فرص تأكيد ذاتها ويحفزها على الحضور والمشاركة وتواصل الأجيال وتناوبها. 

ديمقراطيتنا مكسب لا تراجع عنه، لكن العملية الانتخابية يجب أن يعاد النظر في أدواتها ومقاييسها، كيف نجعل من المؤتمر تتويجا لمسار تنظيمي مسلسل تباعا من الخلية حتى الفروع ثم الندوة الوطنية وبعدها المؤتمر للتقييم وللتقويم ولرسم الأفق وتجديد الهيئات؟ من ننتخب قبل المؤتمر الشعبي العام، أثناء المؤتمر وبعد المؤتمر وكيف؟…..الانتخابات في الجيش والأجهزة الأمنية والادارية لم تفرز النخب الفعالة، هذا القصور في فرز النخب وتأهيلها هو نتاج عدم توفرنا على سياسة فعلية، أكيدة ومحترمة تجاه الأطر.

في سياق متصل بالتأطير تأتي مسألة الجاليات وجبهة المناطق المحتلة (هكذا يجب أن نسميها)، واعتبار الصحراويين في المغرب بمن فيهم الطلبة  جالية شأنها شأن الجالية الصحراوية في أي مكان آخر.

ما جدوى أو ما نجاعة أن تظل هذه الجبهات مكون اداري حكومي في حين هي ميادين للفعل النضالي الثوري، حيث الابداع والمبادرة والاعتماد على الذات والسرية؟.

أما حان لنا أن نقيم تقييما موضوعيا كل ماله صلة بجيش التحرير الشعبي: بنيته التنظيمية والهيكلية، شؤونه اللوجستية الادارية والفنية وحوافزه، أساليبه القتالية، تكتيكاته واستراتيجيته ومسرح عملياته؟ (تقييم محصور على مستوى الأركان أو الاجتماع الموسع لأطر الجيش).

هل تدارسنا تجارب الحروب الحديثة وأستخلصنا منها الدروس:حرب أذربيجان، زحف حفتر على طرابلس وكيف تم صده، هجمة جبهة تيغراي في اثيوبيا وكيف تم دحرها، مقاومة الحوثيون في اليمن وأخيرا الحرب في اكرانيا؟ 

علينا إعادة صياغة خططنا واعتماد رؤية بديلة تزاوج بين التكييف في الآجال القريبة ورفع درجات الاستعداد القتالي وإعادة بناء مختلف أصناف الوحدات خلال السنوات القادمة.

تبنينا منذ سنوات مفهوم مقومات الصمود (لم نعطه تعريفا محددا)، كان القصد أن نستثمر في بناء وتطوير القوة الذاتية من حيث النمو والحماية للمجتمع وتطوير المقدرات وتنشأة وتأهيل الأجيال الصاعدة لتكون في مستوى الرهان وهو رهان وجود، إما أن نكون أو لا نكون.

ما يلاحظ هو التراجع وإن بدرجات مختلفة في مجالات حياتية مثل التكاثر والتربية والتعليم والوقاية الصحية والانتاج وشبه جهل عام بتاريخ مسيرتنا وجغرافية الوطن… وأحيانا قواعد الاسلام. 

من حيث الهياكل والمرافق والتجهيزات فالأعداد تبعث على الاطمئنان، أما من حيث النتيجة فالحصائل لا ترقى الى الحد المطلوب مايجعل من الضروري جدا البحث في الأسباب.

– حيث تصرف الأموال: لا مناص من أن تكون الشفافية، و يجب توفر أداة فعلية لجهاز مالية محترم وله سلطة ممارسة وظائف التفتيش والمحاسبة والتدقيق في المصادر والتوظيف والأرصدة، وجود محسوس وليس شكلي، غير ذلك يعني ترك الأبواب والنوافذ مفتوحة أمام الاختلاس والفساد والتحايل.

نفس الموقف في المتعلق بالملكية العامة، ما العائق من ايجاد مديرية وطنية أو كتابة دولة تناط بها مسؤولية ضبط ومراقبة هذا الحقل أو تخول المسؤولية كاملة للمديرية الوطنية للرقابة.

– جهاز العلاقات الخارجية والعمل الدبلوماسي، جبهة بالغة الأهمية مكملة لبقية الجبهات الأخرى … لكن التوظيف والانتشار بعيدين عن مقاييس تعزز المهنية والفعالية. 

– في المتعلق بالأداء ومنهجية العمل على مستوى القيادة يتعين أن نلزم أنفسنا بوظائف لا مناص منها مثل: التخطيط، الاشراف، المتابعة، التقييم والتقويم (آلية للتنفيذ، آجال للانجاز، آلية للتقييم) مع التحلي بالموضوعية والتوازن في ابراز الايجابيات والسلبيات.

 – خصوبة ماشاء الله عند الصياغة، لكن عند التطبيق وهو المهم يكون الفتور.
ويتحتم علينا احتراما للشرعية أن تكون قرارات الهيئات التنظيمية بمختلف مسؤولياتها مرجعا الزامي مع انتظام تقييم مدى تنفيذ القرارات المتخذة .

الطريقة التي يتم بها إعداد برنامج العمل الوطني أكثر هي تعبيرا عن طموحات مما هي ثمرة لواقعية تراعي الممكن الضروري .

في الهيكلة – سواء السياسية أو الادارية –  ثمة تسميات ووظائف ليست لها مهام محددة ولا تعدو كونها ” ترضية أودركة ” لشخص ما، ويتعين التخلص من هكذا قرارات.

كل عمليات الترقية واسناد المهام وفرص التكوين يجب أن تسند لهيئة وطنية يناط بها منح الثقة أو المصادقة بعد التأكد من مدى استفاء الشخص أو الأشخاص للشروط والمقاييس المعتمدة ( في قانون الوظيف العمومي بالنسبة للمدنيين ونظام الخدمة في الجيش بالنسبة للعسكريين والقانون الأساسي بالنسبة لهياكل التنظيم السياسي، وبالنسبة للقضاء والاعلام والخارجية  تراعى الأنظمة الداخلية لهذه المؤسسات، ويجب أن تحترم  الاقدمية، التدرج، الكفاءة، الاختصاص ….).
 
وفي الختام أنوه أن ما تقدم مجرد مساهمة شخصية متواضعة في النقاش الجاري  إن على مستوى الهيئات أو على مستوى الرأي الوطني، مع كامل الاحترام والتقدير لما ستخلص اليه لجنة التفكير من خلاصات وبدائل،  مع تمنيات لها .
ولنقتدي جميعا بالمثل القائل: ليس كل من يشكر: صديقا ، وليس كل من ينتقد: عدوا. 

فخلال مسيرتنا الطويلة وبفضل مجهودات وتضحيات كل الصحراويين حققنا انجازات ومكاسب عظيمة، لكن كانت لنا أيضا أخطاء وإخفاقات ليس من العيب إن وجهت لنا الملاحظات أو الانتقادات، علينا تحملها…….. 
 
ولنحتكم لقوله تعالى ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفوا عنهم واستغفرلهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله” صدق الله العظيم.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار