back to top
29 أبريل 2025

الإمارات العربية المتحدة في موريتانيا: مشروع فوضى أضلاعه صناعة النخب المالية و تكديس الثروة و خلق الولاءات

تابع القراءة

خبير الازمات الدولية الكسندر دانغو

نواكشوط (ECS).- لم تكن الإمارات العربية المتحدة يومًا لاعبًا هامشيًا في ساحة الصراعات الإقليمية. بل كانت، ولا تزال، سيدة الاختراق الناعم، سيدة استخدام المال و الذهب والموانئ المهجورة لبناء إمبراطوريتها خارج حدودها. وفي موريتانيا، البلد الصامت خلف  كثبان الصحراء، فتحت أبوظبي جبهة جديدة من جبهات تمددها، متخذة من الصفقات السوداء بوابة لتثبيت النفوذ واستباق الصراعات القادمة.

في العام 2021، بدأت الإمارات عبر شركاتها الظلية بتكثيف استثماراتها في نواكشوط ونواذيبو، حيث قفزت الاستثمارات الإماراتية المباشرة بنسبة 220% خلال عامين فقط (تقرير صندوق النقد الدولي 2023)لكن تحت هذا الغطاء “التنموي”، كانت الأمور تجري على نحو مختلف.

الميناء الأسود: نواذيبو، بوابة الذهب غير الشرعي

تحول ميناء نواذيبو إلى ممر رئيسي للذهب المهرب من دارفور، مرورًا بالصحراء الكبرى وصولاً إلى دبيتقارير مجموعة الخبراء بالأمم المتحدة (تقرير 2023) أكدت أن ما بين إلى 5 أطنان من الذهب تمر سنويًا عبر موريتانيا إلى السوق الحرة في الإمارات، بقيمة سوقية تفوق 250 مليون دولار سنويًا.

لم يكن الذهب وحده الذي يسلك هذه الدروب الخفية؛ فمعه كانت تمر شحنات العملة الصعبة، والأسلحة الخفيفة، مكونة شبكة تهريب تغذي صراعات الساحل والصحراء من جهة، و تغسل أموال الإمارات عبر أسواق دبي من جهة أخرى.

ابن سلطان دارفور: رسول الظلال الإماراتية

لم يكن قدوم ابن سلطان دارفور إلى موريتانيا مصادفة أو مجرد هروب من صراعات السودان الداخلية. هذا الرجل، المرتبط بعلاقات مالية مع ميليشيات الدعم السريع، أصبح بفضل الرعاية الإماراتية أحد أهم أذرع شبكة التهريب الإقليمية. وقد فتحت له الإمارات بواباتها المالية منذ 2017، حيث أشارت وثائق «OCCRP» إلى فتح حسابات بملايين الدولارات له في مصرف الإمارات الإسلامي (OCCRP Report, 2021).

حين وطئت قدماه نواكشوط، كان يحمل أكثر من مجرد أموال : كان يحمل مشروع تهريب ذهبي إقليمي، وشبكة تشبيك سرية مع نخب قبلية وعسكرية موريتانية، لم تكن لتخطئها العين أثناء الزيارة المقدسة، تلك الزيارة التي نوقشت عبرها عدة مشاريع غامضة في قطاعي الصيد و الذهب، أبرزها شركة “موريتانيا غولد”، التي وُجهت لها شبهات بتهريب 1.2 طن من الذهب خلال 2022 وحده (تقرير لجنة مكافحة الفساد الإفريقية، 2023).

الإمارات: راعية شبكات التهريب

لم تكتفِ الإمارات بتوفير الملاذ المالي الآمن، بل أمنت الغطاء الدبلوماسي واللوجستي لشبكاتها عبر اتفاقيات استثمار وهمية. بحلول 2023، وقعت الإمارات مع موريتانيا اتفاقيات بقيمة معلنة بلغت 1.5 مليار دولار (وزارة الاقتصاد الموريتانية، 2023)، غالبيتها ذهبت إلى مشاريع عقارية وزراعية غير منفذة حتى اليوم، حسب تحقيق «ذا أفريكا ريبورت».

وكما استخدمت أبوظبي ميناء عدن في اليمن للهيمنة الاقتصادية (سيطرت عبر شركة «موانئ دبي» على الميناء حتى 2020)، وكما دعمت اقتصاد الظل في دارفور من خلال تهريب الذهب وتمويل قوات الدعم السريع (تقرير الأمم المتحدة 2022)، تكرر الإمارات السيناريو ذاته في موريتانيا بهدوء مريب (مطار نواكشوط و ميناء نواذيبو قيد الدراسة).

الأرقام لا تكذب

  • أكثر من 60% من صادرات الذهب غير المصرح بها في غرب إفريقيا يتم تهريبها إلى الإمارات (تقرير منظمة الشفافية الدولية 2022).

  • في موريتانيا، قفز احتياطي العملة الصعبة من 700 مليون دولار عام 2019 إلى 1.8 مليار دولار عام 2023، رغم غياب نمو صادرات حقيقي (البنك المركزي الموريتاني).

  • الإمارات استثمرت رسميًا أقل من 400 مليون دولار فقط، مما يفتح تساؤلات عن مصدر تدفق السيولة الباقية (تقرير مجموعة الأزمات الدولية 2023).

قراءة في المشهد: بين الفوضى الهادئة والسيطرة الصامتة

حين تتسلل الأموال الملوثة إلى قلب العواصم، وحين تتداخل شبكات التهريب مع مؤسسات الدولة الرسمية، يتحول الوطن إلى مجرد مساحة جغرافية لإدارة المصالح الأجنبية. وهذا ما تتقنه الإمارات، كما فعلت في اليمن وليبيا والسودان: تدير الحروب من خلف الستار، وتشتري الولاءات على موائد الذهب الأسود.

موريتانيا ليست سوى حلقة جديدة في هذا المشروع الأكبر. ابن سلطان دارفور لم يكن سوى مقدمة الفاتحة، و تهريب الذهب ليس سوى الصفحة الأولى في مخطوطة اختطاف القرار الوطني.

إذا لم تنتبه نواكشوط سريعًا، قد تجد نفسها، كما وجدت عدن نفسها من قبل، تحت رحمة موانئ مغلقة بيد الأجانب، وأسواق عملة يسيطر عليها السماسرة، وجيش ولاءات يشد أطراف البلاد بعيدًا عن سيادتها.

إن ما يجري في موريتانيا اليوم ليس إلا صدى بعيدًا لمعارك صامتة حسمتها الإمارات في أماكن أخرى. ومن لا يتعلم من تجربة اليمن وليبيا و السودان، عليه أن يستعد ليكتب فصله الخاص من فصول الفوضى الإماراتية، بحروف من ذهب مسروق، ودنانير مغسولة، وعقود استثمار لا تُثمر إلا الخراب.

دعم الصحافة الحرة

إن كرمكم يمكّننا من النهوض بمهمتنا والعمل من أجل مستقبل أفضل للجميع.

تركز حملتنا على تعزيز العدالة والسلام وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. نحن نؤمن بشدة بأهمية فهم أصل هذا النزاع وتعقيداته حتى نتمكن من معالجته بفعالية والعمل على إيجاد حل يحترم حقوق وكرامة جميع الأطراف المعنية.

إن كرمكم ودعمكم ضروريان لعملنا.
بمساعدتكم، يمكننا أن نرفع أصواتنا ونرفع الوعي بالوضع في الصحراء الغربية ونقدم المساعدة الإنسانية لمن يحتاجها وندعو إلى حل سلمي وعادل للنزاع.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار