✍️ العقيد أنه ولد الصوفي
نواكشوط (ECS).- التاريخ علمنا أن النزاعات و الحروب، غالبًا ما، تنشب بين الدول، بسبب الطموحات التوسعية، و رغبة بعضها الهيمنة على البعض الآخر ومحاولة ابتلاعه. و جدير بالذكر، أن هذا النوع من التصرف العدواني يعتبر مرضا سياسيًا يصيب بعض الأفراد تحت تأثير جنون العظمة أو الرغبة في توسيع ساحة النفوذ أو الطمع في خيرات الآخر، أو التأثيرات الثلاثة معًا. وعبر تاريخها، لم تكن المنطقة المغاربية بمعزل عن إفرازات هذه الحالات المرضية وحتى اليوم. فبعد حرب الرمال بين الجزائر و المغرب، والمحاولات الفاشلة المغربية لضم موريتانيا إلى المملكة، جاء الدور على الصحراويين. وما أن تمت تصفية الاستعمار الإسباني من هذا الإقليم حتى بدأت مرحلة التحضير لغزوه؛ من خلال نسج قصص وروايات حول الانتماء التاريخي للصحراويين. ثم انتهت هذه المرحلة بإحتلال الإقليم، حيث إحتوى المغرب على نصيب الأسد من الشعب الصحراوي وأرضه، وعاد إلى موريتانيا الجزء اليسير من الاقليم.
و قد تمت هذه العملية على مرأى ومسمع من العالم ودون أي اكتراث بالمواثيق الدولية، وعلى وجه الخصوص القانون الدولي الذي ينص، و بدون لبس، على حق الشعوب في تقرير مصيرها. و ما لبث هذا التقسيم الجائر والمشين طويلا حتى فجر الصحراويون مقاومة شرسة ضد الدولتين. وبعد أكثر من سنتين من المعارك العنيفة، خلّفت، بالنسبة للأطراف كلها، للأسف الشديد، فاتورة باهظة الثمن، من حيث الخسائر في الأرواح و العتاد، بادرت نخبة من الضباط الموريتانيين برئاسة المرحوم المصطفى ولد السالك، بالاطاحة بنظام المرحوم الرئيس المختار ولد داداه، يوم ال10 يوليو 1978، وذلك على الرغم من أن هذا القائد حقق أشياء رائعة للبلد وأصاب في أمور كثيرة، لكنه أخطأ في حرب الصحراء الغربية بالذات. و بدون انتظار، وضع هؤلاء الانقلابيون حدًا لمشاركة موريتانيا في الحرب معلنين للجميع أن موريتانيا “لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء الغربية”.
وعلى ضوء ذلك، قررت موريتانيا سحب قواتها من جزئها على عجل، دون أن تضع الترتيبات اللازمة لانسحابها منه، و ذلك بسبب إكراهات أمنية داخلية وخارجية، ناجمة عن وضعيتها الجديدة. وفور إعلان موريتانيا لهذا الموقف، سارع المغرب بإحتلال الجزء الموريتاني. وبفضل مبادرة هؤلاء الضباط، تأسست مرحلة جديدة بين موريتانيا وجبهة بوليزاريو، مبنية على التعايش السلمي والاحترام المتبادل. و طويت، إلى غير رجعة، صفحة مؤلمة من تاريخ الشعبين الشقيقين.
و إتباعًا، تواصلت جهود ترميم العلاقات بين الطرفين حتى تكللت بإعتراف موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية سنة 1984. وتولدت عن هذه الأجواء الإيجابية تفاهمات تقضي بالسماح لكلا الطرفين بعبور أراضي الآخر. و إستمر الأمر على هذه الشاكلة حتى تأزمت الأمور مؤخراً بسبب التفاهمات الأخيرة حول الربط الكهربائي المزمع تشييده بين موريتانيا والمغرب، علما أن المغرب لا يتمتع أصلا بحدود مع موريتانيا. واعتبارا لذلك، فلا بد لهذا الربط أن يمر بالأراضي الصحراوية التي يسيطر عليها المغرب و يعتبرها جزءا من مملكته، على الرغم من أن الكثير من دول العالم يرفضون الإعتراف بهذا الأمر الواقع ويتحاشون أيضًا إبرام العقود والصفقات في هذه الأراضي المتنازع عليها.
